[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
"دين دموي"، "إيمان يلقن الكراهية"، "نظام روحي يناسب الأقوام البدائية": هذه هي بعض من "الومضات" التي أضفتها الحركات الإرهابية الحريصة على إضافة عنوان "إسلامية" على اسمها، تعسفًا، على ديننا الإسلامي السمح الحنيف في آنية الإعلام والثقافة الشائعة في العالم الغربي. لا تنزعج أخي المسلم إن استمعت لمثل هذه التعبيرات التشويهية التي تحاول أن تنال مما غرسه والداك في دواخلك منذ نعومة أظفارك، إيمانًا روحيًّا "يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر"!
ولكن هل لك أن تعترض أو تنتفض أو تحتج على وسائل الإعلام والاتصال الغربية، والعالمية عامة إن تبنت هذا النوع من اللغة الاستفزازية الجائرة، بعدما لم يعد لأي متابع عبر العالم أن يفلت من صور وأفلام ووثائقيات الفظائع والفضائح التي يرتكبها أعضاء وأتباع الجماعات الإرهابية، من قضم القلوب ومضغها وبقر البطون وحشوها بالمواد المتفجرة، وجميعها صور دموية لمنظمات وجماعات لا يفوتها قط أن تضيف نعت "إسلامي" على عناوينها.
لا مجال للاحتجاج الآن، ولا فرصة لقلب الرأي العام العالمي الذي ما فتئت تترسخ في أعماقه صورة مشوهة لدين أسمى وأحنف ممن حاولوا تلويث اسمه وليّ صورته الناصعة: فإنك إن حاولت تحسين الصورة الشائعة، عليك أن تتلقى نتائج وآثار دفاعك عن الإسلام في مهاد غربي وعالمي عام لم يعد يقوى على عد الإسلام دينًا سماويًّا عظيمًا، كسواه من أديان العالم العظمى التي تلقن أتباعها الحب والتعاون، بينما تلقن الأفلام والوثائقيات التي تحرص "القاعدة" وأخواتها على إشاعتها عبر وسائل الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي قيمًا تنطوي على أن الإنسان لا يختلف عن الحيوان (وهي حقيقة بيولوجية، ولكن ليست فلسفية) بالنظر لإمكانية نحره كما تنحر الخراف أو حرقه كما تحرق القمامة، هذا ما برر ما فعل بالمسلمين من فظائع على أيدي البوذيين في بورما من بين أماكن أخرى من العالم.
لا أعتقد بأن الدعاة "والمبشرين" المسلمين على قدرة كافية لتغيير الصورة الدموية بعد أن رسخت في الوعي وأعماق اللاوعي الجمعي عبر العالم: فهل يمكن أن تقنع من راح والده أو أخوه ضحية لأعمال إرهابية، نفذتها القاعدة أو داعش، بأن هذا الذي جرى ويجري ليس بإسلام ولا بذي صلة بعقائده وبرسالته الإنسانية الحقة. لقد تم تغليف هذا الدين الحنيف بقشرة صلبة تمنع عكس جوهره وصورته الحقيقية أمام الناظر العالمي غير المسلم.
وللمرء أن يغتنم هذه الفرصة المهمة في سياق مناقشة ما تحاول الجماعات الإرهابية إشاعته عن الإسلام من صورة دموية بغيضة، خاصة في عالمنا العربي، أن يسائل أنظمتنا التربوية وطرقنا المعتمدة في التنشئة: لأن هذه الصور والوثائقيات الدموية إنما هي إدانة لهذه الأنظمة وتأشير فظيع على إخفاقها، لأنها لم تنتج الإنسان الودود الذي يحب أخاه الإنسان، وإنما أنتجت ذلك الإنسان، الشاب الغض الملثم الذي يحرق أخاه في الدين والدم والتاريخ بدم بارد أمام الكاميرات، وهو "يصرخ" الله أكبر، بهستيرية منقطعة السادية!
للمرء أن يوجه سؤاله إلى جامعة الدول العربية والمنظمات القومية والإقليمية المتخصصة بالتربية والتنشئة والتعليم: كيف خرجت مدارسنا ومعاهدنا هذا النوع من "القتلة" وآكلي الأكباد وقاطعي الرؤوس؟
وحيال هذه الصور التي يشيعها الإرهاب عن الإسلام، أداة للترويع والترهيب، ويشيعها كارهو الإسلام عبر العالم لتشويهه، هل لك أن تقنع إنسانا غير مسلم، عبر العالم، بأننا نجحنا في برامجنا التربوية ومناهجنا الدراسية، وما هي درجة النجاح: امتياز، أم مقبول، أم متوسط، أم مجرد ناجح؟ أم راسب؟