تتميز التركيبة القبلية لساحل عمان بقدر كبير من التعقيد، حيث ينقسم السكان في ولاءاتهم النسبية إلى عشرات من العشائر، قد لا يتجاوز عدد أفراد البعض منها مائتي فرد، وتتجمع العشائر الصغيرة تحت زعامة عشيرة بارزة تفرض عليها سيطرتها وهيمنتها، فتوكل إليها تلك العشائر الصغيرة أمورها، وتسمى المجموعة القبلية حينئذ باسم العشيرة الحاكمة، بيد أن هذه الحالات لا تحدث عادة إلا بين العشائر المستقرة التي تحترف الزراعة أو الصيد، لأنها بطبيعتها الحياتية تكون أكثر تشبثا بالأرض وأكثر خضوعاً للقوى العسكرية.
وفي هذا الموضوع يجب أن نشير إلى أن الاتحادين الكبيرين لقبائل رأس الخيمة وأبوظبي اللذين برزا إلى القوة في منتصف القرن الثامن عشر وتقاسما السلطة السياسية فيما بينهما، رأس الخيمة في الشمال، وأبوظبي في القسم الجنوبي من ساحل عمان. ولا يعنى هذا الانقسام أن هناك خلافاً بين القوى الإقليمية أو بين القبائل بين الغافرية والهنائية، إذ أن الفروق العنصرية والسلالية تكاد تكون منعدمة فيما بينهم، وحتى إذا كانت قبائل أبوظبي تنتمى إلى العناصر الهنائية، فإن ذلك لا يميزها بسمات أثنولوجية خاصة، والمفروض أن تكون الفروق بين المجموعتين فروقاً ثقافية أساساً بحكم طبيعة الحياة التي يحياها الفريقان، ولذا قد يكون من المفيد أن نعرض لهذين الاتحادين على النحو التالي:
أولاً: اتحاد قبائل رأس الخيمة:
شجع قيام هذا الاتحاد في منتصف القرن الثامن عشر عدة عوامل من أهمها انهيار دولة اليعاربة، حقيقة أن دولة اليعاربة استطاعت منذ قيامها أن تعمل على تجميع القبائل العربية للقضاء على التفوق البرتغالي، لكي تعيد إلى عمان وحدتها وتماسكها، إلا أنها لم تلبث أن تعرضت لتمزق داخلي بين قبائلها الغافرية والهنائية، وحينما وقفت قبائل الهنائية مع أحمد بن سعيد أخذت المعارضة ضد الحكم الجديد من قبل الحزب الغافري تتجمع في المناطق الشمالية من ساحل عمان، مما كان سبباً في نشأة اتحاد قبائل رأس الخيمة.
ومما ينبغي الإشارة إليه، أن هذا الاتحاد شمل عدداً كبيراً من العشائر العربية ومن بينها عشائر وقبيلة الحبوس التي يقيم أفرادها في المناطق الجبلية من رأس الخيمة وخاصة ميناء الرمس، وكذلك قبائل الشحوح والذين يتوزعون في المناطق الجبلية من رأس الخيمة أيضاً، وقبيلة الخواطر والبوخريبان الذين يشكلون فرعين، إضافة إلى الشوامس من القبائل النعيم العمانية التي هاجرت من اليمن واستوطنت في البريمي، كما يضم الاتحاد قبائل بني قتب والغفلة والطنيج وبنى نقب والشرقيين ويتزعمهم القواسم.
ويتضح لنا من هذا التنوع في هذه المجموعة من القبائل والعشائر القحطانية إلى اليمانية لاتحاد رأس الخيمة والذين لم يكونوا قوة بحرية فحسب، وإنما كانوا يتمتعون بالإضافة إلى ذلك بالقوة البرية التي كانت القبائل البدوية تشكل عمودها، ومن أبرزها بني نقب والغفلة والطنيج والحبوس، وإن كانت الصفة البحرية قد غلبت عليهم نظراً لتوجيه معظم القبائل المنتمية إليه، حتى أصبح هذا الاتحاد يشكل قوة بحرية متفوقة خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
استطاعت قبائل رأس الخيمة منذ منتصف القرن الثامن عشر أن تمتد بنفوذها من رأس مسندم حتى دبي ، كما امتدت سيطرتهم على بعض الموانئ والجزر الواقعة على الساحل الشرقي للخليج العربي كنج ولنجة وقشم، كما تمكنوا من تجميع أسطول كبير، حيث سقطت كثير من السفن الفارسية تحت أيديهم، بالإضافة إلى ما كانوا يستولون عليه من السفن الأوروبية بسبب عملياتهم الحربية المتنامية، وبعد وفاة رحمة بن مطر في عام 1758م تولى زعامة اتحاد قبائل رأس الخيمة راشد بن مطر حتى عام 1777م. وفي عهده زادت قوتهم البحرية وتمكنوا من السيطرة على جزيرتي قشم ولفت عام 1765م، كما سيطروا على شناص. وفي عام 1772م تحالف راشد بن مطر مع امام عمان حمد بن سعيد ضد الفارسيين، ثم عاد وتنازع معه في عام 1775م.
وبعد ثلاثين عاماً من الحكم تنازل لابنه صقر بن راشد الذي استمر قائماً بالحكم فيما بين عامي 1777م و1807م، وفي عهده تم التحالف مع قبيلة بني معين وهي قبيلة عربية يمنية كانت تحكم جزيرة قشم وهرمز، وتزوج صقر بن راشد من ابنة الشيخ عبدالله بن معين، مما أعطى رأس الخيمة قوة بحرية ضخمة تمكنوا بها من السيطرة على الشؤون التجارية والعسكرية في الخليج العربي، وبذلك شهد عهد بروز رأس الخيمة كقوة بحرية في المنطقة، ثم دخلت في نزاع متصل مع الآلبوسعيد في عمان الساحل استمر إلى مطلع القرن التاسع عشر.
بعد اعتزال صقر بن راشد الحكم عام 1803م، تولى ابنه سلطان بن صقر الزعامة، وقدر له أن يتمتع بحكم طويل استمر أكثر من نصف قرن، وتوفى في عام 1866م، وشهد حكمه أحداثاً خطيرة في تاريخ المنطقة أهمها عندما ذهب إلى الدرعية في زيارة تم سجنه من قبل حاكم نجد حتى تمكن من استرداد حكمه بعد أن فر من سجنه في الدرعية، ووصل إلى مسقط عن طريق اليمن، وعلى الرغم من عودته إلى الحكم، إلا أنه لم يستطع أن يعيد اتحاد قبائل رأس الخيمة إلى سابق وحدتها، حيث ظهرت زعامتان وانقسامان أحدهما في رأس الخيمة برئاسة حسن بن رحمة والآخر في الشارقة التي استقر بها سلطان بن صقر منذ عام 1816م. واستمر ذلك الوضع قائماً حتى قام البريطانيون بحملتهم العسكرية على رأس الخيمة في عام 1819م، وبعدها نجح سلطان بن صقر في الانتقال إلى رأس الخيمة.
ويمكن تحديد الفترة التي برزت فيها رأس الخيمة كقوة بحرية ضاربة فيما بين عامي 1758 – 1819م، وفي خلال هذه الفترة لم تتوان قبائل رأس الخيمة عن مهاجمة أي سفينة تحمل العلم البريطاني سواء كانت تابعة للبريطانيين أو لرعاياهم. كما أخذ سكان رأس الخيمة على عاتقهم تحدى النفوذ البريطاني الذي بدأ يتسرب إلى المنطقة، حيث تمتاز قبائل اتحاد رأس الخيمة بالصلابة والشجاعة وحب المغامرة، حتى اضطر البريطانيون في بداية الأمر إلى دفع ترضيات لرأس الخيمة مقابل المرور في مياههم، وعندما شعر البريطانيون أن في مقدورهم مهاجمة رأس الخيمة بعد تصفية صراعاتهم مع الدول الأجنبية وبعد تثبيت نفوذهم في الهند، رفضوا دفع الأموال لهم، واعتبروا الدفاع عن سواحلهم ومياههم عملاً من أعمال القرصنة. وكان سكان رأس الخيمة بسبب ظروف بيئتهم القاسية يعتمدون على البحر في كسب معيشتهم، وفي البحر كانوا يمارسون معظم نشاطهم السياسي والاقتصادي، حيث ساعدتهم طبيعة الساحل المعروفة بكثرة تعاريجها وخلجانها وأخوارها وألسنتها الرملية وجزرها المغمورة على إيجاد موانئ طبيعية، مما جعلهم يمارسون فيها نشاطهم البحري والعسكري.
فمن المعروف أن سكان رأس الخيمة كانوا يمارسون أنشطة سلمية عديدة خاصة صيد اللؤلؤ والتجارة والأسفار البعيدة التي كانوا يقومون بها إلى سواحل الهند وشرق أفريقيا، حيث لم يكن إمامهم إلا هامشا محدودا، ونجحوا في تحويل جزء لا بأس به من تجارة الخليج العربي إلى رأس الخيمة ، مما أضر بمركز شركة الهند الشرقية البريطانية في بندر عباس، أو لمجرد الحصول على غنائم سهلة إلى القيام بنشاط السلب ونهب السفن التجارية البريطانية والأجنبية العابرة في الخليج العربي، الأمر الذي استدعى المواجهة بين قبائل رأس الخيمة وبين بريطانيا الذين بدأوا بفرض سلطتهم على المنطقة.
ويرجع سبب نشاطهم العسكري هذا بعدما ضعف نشاطهم التجاري السلمي، بعد قيام الشركات التجارية الرأسمالية الأوروبية. ولما كانت البيئة قاحلة والمنافسة التجارية غير متساوية، وبدأوا يعانون منها أخذ سكان رأس الخيمة يتصدون للسفن التجارية، إضافة إلى الطبيعة البحرية واعتمادهم على حرفة صيد الأسماك واستخراج اللؤلؤ في فصل الصيف وقسوة البحر في فصل الشتاء تمنع مزاولة هذا العمل، بينما تقل الزراعة مما يعانون ببطالة شاملة. ونتيجة لتلك الظروف البيئية أخذ سكان رأس الخيمة يسيطرون على النشاط البحري الحربي.
ثانياً: اتحاد قبائل أبوظبي:
شكل تحالف قبائل أبوظبي الاتحاد الثاني في ساحل عمان، إذ امتدت سيطرة قبائل هذا التحالف من جنوب قطر إلى دبي ولم يقتصر على الساحل، وإنما امتد إلى الظاهرة والبريمي وليوا والكدن أي إلى عمق الربع الخالي.
وبالرغم أنهم يعتبرون قوة برية إلا أنهم شكلوا قوة بحرية لا يستهان بها. ويتألف هذا الاتحاد من أربع قبائل رئيسية وهي بني ياس والعوامر والمناصير والظواهر، ويعتبر هذا التحالف من أضخم قبائل ساحل عمان، ومن أكبرها التي ظهرت في المنطقة، ويعتقد أن هذه القبائل حديثة التواجد نسبياً إذا ما استثنينا قبيلة العوامر التي عاشت منذ القدم في صحراء الربع الخالي، والممتدة من منطقة الثمود والأحقاف في حضر موت حتى نزوى في عمان والكدن والختم والوجن في أبوظبي، في حين لا يتعدى تواجد بقية القبائل أكثر من قرنين ونصف.

محمد بن حمد الشعيلي
أكاديمي في الجامعة العربية المفتوحة
[email protected]