[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” الكرة الساحرة هي الرابحة دائما عندما يشتد الخلاف حولها ويحدث الانقسام بشأنها ويحتدم النزاع بين مؤيديها ومعارضيها, بين من يرى بأن كرة القدم تشغل الأمم عن أهدافها الكبيرة وعن مستقبلها وتصرف الشعوب عن مشاكل ومتاعب مجتمعاتها وتبعد الأجيال عن همومهم اليومية ومشاغلهم الحياتية, تبدد أوقاتهم الثمينة وتأخذ منهم أفكارهم القيمة وتدفعهم إلى التعصب إلى هذا الفريق أو المنتخب على حساب الآخر...”
ـــــــــــــــــ
من الصعب أن يتجاهل قلم الكاتب أي كاتب كان, التفاعل الشعبي الكبير مع كرة القدم وما تشهده الساحة الكروية من مستجدات وتطورات, حتى وإن كان صاحب القلم جاهلا بقواعدها غير عالم بشيء عن أسماء محترفيها ونجومها وأسيادها ولا عمن صعد إلى الدرجات المتقدمة من الفرق ومن هوى إلى الأسفل, حتى وإن لم يدلف يوما إلى الساحة الكروية ومدرجاتها لا لاعبا ولا هاويا ولا محترفا ولا مشجعا, فهتاف المشجعين وأصوات المحللين وأحلام الحالمين وأحاديث المتحدثين تخترق الأسماع, ففي المنزل وفي المكتب وفي الشارع وفي أي مكان من هذا العالم لا شغل للناس إلا كرة القدم ونجومها ونجاحات وفشل الفرق والأندية والمنتخبات, يأتي الموظف إلى عمله متأخرا يترنح من قلة النوم غير قادر على أداء واجبه الوظيفي لأن مباراة الأمس اضطرته للسهر إلى ما بعد منتصف الليل, والمباراة من النوع الذي لا يفوت, وملامح وجهه العابسة أو المنشرحة تعبر عما إذا كان فريقه هو الرابح أو الخاسر, لقد شغلت هذه الكرة الصغيرة المطاطة عقول الناس ونجحت في جذبهم إليها وأوقعتهم في شراك حبها وفاقت شعبيتها المتخيل, وفي الوقت الذي ينشغل فيه الناس انشغالا شبه كلي بنجم من نجوم الكرة الصاعد الذي يظل متربعا على عرش القلوب سنوات يعرفه الصغير قبل الكبير يفشل الشعراء والكتاب والفلاسفة والعلماء والساسة وغيرهم في جذب الناس إليهم بهذا الشكل الجنوني, الكرة الساحرة هي الرابحة دائما عندما يشتد الخلاف حولها ويحدث الانقسام بشأنها ويحتدم النزاع بين مؤيديها ومعارضيها, بين من يرى بأن كرة القدم تشغل الأمم عن أهدافها الكبيرة وعن مستقبلها وتصرف الشعوب عن مشاكل ومتاعب مجتمعاتها وتبعد الأجيال عن همومهم اليومية ومشاغلهم الحياتية, تبدد أوقاتهم الثمينة وتأخذ منهم أفكارهم القيمة وتدفعهم إلى التعصب إلى هذا الفريق أو المنتخب على حساب الآخر وتلجئهم إلى الخلاف والنزاع والخصام والتراشق الإعلامي, وشغب الملاعب خير دليل على ذلك, فمساوئها أكبر من مصالحها وعيوبها أعظم من مزاياها, فأي فائدة لهذه الكرة إلا تخريب الشباب وتفريغ عقولهم من كل قيمة؟ .. وبين من يرى بأن كرة القدم هي ساحرة الجماهير وملهمة الشباب يجتمعون على حبها هواية واحترافا, ممارسة وتشجيعا, تجمع بين رياضة الفكر والبدن, في الساحات الكروية يطلق اللاعب إبداعاته الفنية في الحركة وفي التسديد وفي المناورة وفي اقتناص الفرص سواء أكان مدافعا أو مهاجما أو حارسا أو في خط الوسط يفرغ طاقاته ويلهب الجماهير حماسة وشغفا, ويجذب بمهارته وحرفيته وابداعه حتى من لا صلة لهم بكرة القدم بفنه الجميل وحركته الابداعية .. أو ليست كرة القدم هي صانعة النجوم الذين تتنافس الفرق العالمية في اقتناصهم بملايين الدولارات؟ , أو ليست هي ملهمة الجماهير التي لا يفقد بريقها ؟ أولا يتطلب كل نزال أو مباراة دراسة وتقييما للخصم وتخطيطا وتكتيكا للفوز عليه, وتتطلب في المقابل صبرا وتحملا لوقع الهزيمة ؟ , إنها كرة القدم التي تزداد مع مرور الزمن ألقا وبريقا وشعبية, وهذا ما نلمسه مع كل حدث كروي .. وهو ما حدى بدول ومؤسسات وقطاعات إلى استثمار المواسم الكروية للدعاية الواسعة والترويج والمنافسة الشرسة على استضافتها وتشفير قنوات التلفزة وحصر نقل المباريات وتقديم حزمة من الامتيازات والتسهيلات لاستقطاب أعداد كبير من الجماهير والاستثمار في هذا القطاع الواسع ...وهو ما نراه ماثلا أمامنا في البرازيل التي تستضيف كأس العالم لكرة القدم هذه الأيام .. والتي يستقطب هذه الحشود الهائلة من مختلف دول العالم مشاركة مباشرة ودعما لفرقها أومتابعة تفرضه الهواية والحب والشغف بكرة القدم وتشجيعا لفرق أخرى وتهافت الجماهير للاشتراك في قنوات التلفزة التي تخصصت بالنقل أو البحث عن تلك التي تنقلها مجانا وتحليل المباريات وتوقعات الفوز ونقل الأخبار والصور والمقاطع ذات الصلة بالمونديال, ولم تؤثر تلك المظاهرات والاحتجاجات والاشتباكات المحدودة مع الشرطة والتي شهدتها مدينة ساوباولو على الانفاق الحكومي على الحدث الرياضي الكبير, فقد تعدى حضور انطلاقة أول مباراة بين البرازيل وكرواتيا 61 ألف مشاهد وقد حضرها رؤساء اثنتا عشرة دولة. هذا فضلا عن مئات الملايين الذين تابعوها عبر شاشات التلفزة. لقد ارتفعت الشعارات المعبرة عن هذا الولع بكرة القدم وامتلأت المدرجات والساحات والصالات والمقاهي بالمشجعين والهاتفين والمتحمسين من كل لون وشكل وجنس, فهل لأحد بعد الآن أن يتجاهل أو يغفل المكانة التي تحظى بها كرة القدم؟.