يبدو أن القوى التي تحالفت مع الإرهاب وأدواته لتدمير سوريا وإخراجها من جميع معادلات التوازن والصراع العربي ـ الصهيوني ومعادلات التأثير، لا تزال تراهن على هذا اللون من العمل غير الشرعي وغير القانوني في تحقيق أي انتصار ـ ولو معنويًّا ـ يسمح لها بالحضور في مؤتمر جنيف الثاني وتحفظ به ماء وجهها في الوقت ذاته، ولتظهر أمام العالم أنها أوفت بما زعمته وادعته من مساندة للشعب السوري.
لسنا بحاجة إلى قراءة الفنجان أو ضرب الودع أو الخط على الرمل لمعرفة طالع أحداث المشهد في الأزمة السورية، وفك التداخل والاختلاط للوصول إلى مقاربة نحو أبواب الحقيقة، فالالتواء والاستدارة في المواقف دائمًا ما كانا علامتين دالتين على حالة الضيق والاختناق التي يشعر بها داعمو الإرهاب ضد الشعب السوري قبل أدواتهم وعملائهم وخصوصًا بعد كل تقدُّم ينجزه الجيش العربي السوري الذي لم يتوقف عن مواصلة دوره البطولي في الحفاظ على سوريا ووحدتها وحماية شعبها.
ومع انطلاق الاجتماعات الممهدة لمؤتمر جنيف الثاني تزداد حالة الشعور بالضيق والاختناق لدى أولئك الموتورين الداعمين للإرهاب، وبالتالي لم يكن أمامهم ـ كما في كل مرة ـ سوى الإعلان عن موقف تكتيكي ما يسمح لهم باستنشاق الأوكسجين خوفًا من الانهيار السريع ومن ثم إعلان نهاية أدواتهم، ولذلك ارتأوا أن لا مفر من التضحية بجزء من تلك الأدوات وإجرائهم والمراهنة على جزء آخر، كآخر الحلول لعلهم ينجحون بها، فكان القرار التضحية بتنظيم ما يسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)" من جهة، والإعلان عن جماعة مسلحة إرهابية تابعة لـ"حكومة" ما يسمى " الائتلاف الوطني المعارض"، في تكريس واضح للإرهاب وإصرار عليه في مواجهة الجهود القائمة باتجاه حل الأزمة سياسيًّا، وهو موقف لا يمكن أن يفسر إلا بأحد أمرين أو كليهما؛ الأول: هناك خشية تتملك من يسمون أنفسهم "معارضة" من الحل السياسي الذي سيكون إحدى صوره تنظيم انتخابات رئاسية وذلك ربما لقناعة تامة لديهم بأنهم في ظل بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في المشهد السياسي بالسماح له بالترشح ثانية لن يتحقق حلمهم بالوصول إلى كرسي السلطة الذي أرادوا أن يستولوا عليه بالتدخل العسكري المباشر أو بالإرهاب وبحوك مؤامرتهم فخاب رجاؤهم ومسعاهم، ويبدو أن شعبية الرئيس السوري الطاغية تزعجهم كثيرًا. والأمر الثاني: تحقيق الهدف الذي أوكله إليهم مشغِّلوهم وهو تدمير سوريا وتمزيقها وتحويلها إلى كيانات طائفية على غرار ما فعله خُدَّام مؤامرة تدمير العراق وإخراجه من معادلة الصراع العربي ـ الصهيوني وتغيير هويته العربية. وبالتالي إزاء هذين الأمرين كان لا بد من افتعال المواقف وابتداع الحيل واتباع سياسة التلفيق والمماطلة لإطالة أمد الأزمة وإنهاك الدولة السورية إنهاكًا تامًّا لا تستطيع معه المقاومة.
التقارير الميدانية الواردة من الجغرافيا السورية التي تنتشر في رقعتها عصابات الإرهاب المتقاتلة تثير الانتباه جراء الأعمال الوحشية وجرائم الحرب الفظيعة التي ترتكبها تلك العصابات بحق الشعب السوري وبحق ذاتها، فسقوط سبعمئة قتيل إرهابي في تسعة أيام وتنفيذ ستة عشر هجومًا انتحاريًّا خلال أسبوع، أرقام ليست بسيطة، ما يعني أنه لم يكن بوارد القوى المتآمرة والداعمة للإرهاب في سوريا الوصول إلى حلول سياسية، وما الحديث عن مساندة الشعب السوري إلا هو نوع من تجارة الحروب التي اعتاد عليها المستعمرون وهواة التدخل في شؤون الغير، بدليل أن هذه القوى سرعان ما تستجيب لنداء الاستغاثة الذي تطلقه أدوات الإرهاب والإجرام حين يضيق عليها الجيش العربي السوري الخناق عبر الحديث الممجوج والمفضوح عن مساعدات عسكرية "غير قاتلة" وإدانة سوريا ومطالبتها بفك الحصار المفروض على عصابات الإرهاب بحجة إدخال المساعدات الإنسانية، في حين لم نسمع يومًا عن إدانة ولو تلميحًا للمجازر الوحشية التي ترتكبها تلك العصابات بحق الشعب السوري.