[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” .. هل تكون واشنطن أغمضت عيونها حين سجلت تحركات جيوش (داعش) من الرقة السورية أرض سد الفرات وأبار النفط إلى الموصل العراقية قلب الاقتصاد العراقي وحين قرر 32000 عسكري وأمني عراقي المتواجدين في الموصل وحولها الانسحاب بهدوء منذ وصول (داعش) دون إطلاق رصاصة واحدة ؟”
ـــــــــــــــــــ
استفدت الأسبوع الماضي من مشاركتي في منتدى أميركا والعالم الإسلامي بفندق ريتز بالدوحة والذي نظمته مراكز استراتيجية أميركية تهتم أساسا بالعلاقات الأميركية مع البلدان المسلمة وترصد المتغيرات الطارئة على ما تسميه هذه المراكز (العالم الإسلامي) رسميا حتى لا تقر بوجود (أمة إسلامية) ومن هنا ظهر الاختلاف بيننا وبين هذه المراكز في تقييم حقائق التاريخ وتأثيرها على أحداث اليوم. وكنا ثلاثة مسلمين مشاركين في المنتدى أشرنا لزملائنا الأميركان بأن عبارة (العالم) فيها هروب من استعمال المصطلح الأسلم وهو (الأمة) وأضفنا بأن (أمة الإسلام) هي الوحيدة اليوم في العالم التي ليس لها شخصية اعتبارية تربط بين أبنائها برابط العقيدة مثلما للأمة المسيحية التي يظللها البابا بظله والأمة اليهودية حيث تعتبر دولة إسرائيل بتوراتها أن كل يهودي في العالم هو من رعاياها. ومن هنا جاء التصدي الصليبي اليهودي لكل مبادرة توحد المسلمين والتي عمل الاستخراب الغربي على تدمير آخر حصونها المتمثل في الخلافة الإسلامية سنة 1924 حين تقاسمت فرنسا مع بريطانيا تركة الرجل المحتضر وما نزال إلى اليوم نعاني التشرذم والتشتت والعجز والتخلف والتبعية.
شارك في منتدى الدوحة رئيسان لدولتين نموذجيتين هما السيدان (بوجار نيشاني) رئيس جمهورية ألبانيا و(إبراهيم بوبكر كيتا) رئيس جمهورية مالي وهاتان الشخصيتان لم تستدعيا بمحض اختيار عشوائي لأن ألبانيا كانت تمثل في الستينيات والسبعينيات ظاهرة فريدة حين كان يحكمها الشيوعي المتعصب أنور خوجة وكانت ألبانيا محتشدا كبيرا موصدا لا ولاء لها إلا لماو تسي تونغ ثم عند انهيار الماركسية وجدار برلين تحولت هذه البلاد إلى الاقتصاد الحر وتداول عليها حكام معتدلون يعتقدون أن الليبرالية هي الحل ويؤمنون بما تنبأ به فرنسيس فوكوياما من نهاية التاريخ! أما جمهورية مالي فهي الدولة الإفريقية الأكثر تعرضا لتهديد سونامي (القاعدة) في طبعتها المغاربية الإسلامية ومنها انطلقت أحداث 2012 في صحراء مالي ثم الهجوم على عين أميناس الجزائرية تلك الأحداث التي تشهد بأن الخطر القادم من جنوب صحراء القارة السمراء يهدد الغرب وفرنسا بالذات لا في عقر دارها بل في مستعمراتها القديمة التي استمر فيها الحضور الفرنسي بطابعه الاقتصادي والثقافي واللغوي وأحيانا العسكري بشكل يؤكد أن باريس لا تزال تحافظ على الرافد الإفريقي معتقدة أنه ضمان لأمنها ولتزويدها بالمعادن والطاقة ولحمايتها من الهجرات السرية. كما شاركت في المنتدى بالطبع شخصيات مرموقة أميركية مثل (أن باترسن) مساعدة الأمين العام لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية و(فيل غوردون) مستشار الرئيس باراك أوباما ومنسق الشؤون العربية والإسلامية في البيت الأبيض كما شاركت شخصيات نافذة من بلدان عربية ومسلمة من بينها نخبة من الدولة المضيفة للمنتدى وأبرزهما رئيس حكومة قطر الشيخ عبد الله بن ناصر أل ثاني ود. خالد بن محمد العطية وزير الخارجية القطري وأثرت النقاشات في المنتدى أيضا شخصيات عربية ودولية منهم صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين ومعاذ الخطيب الرئيس السابق للتحالف السوري المعارض ود.مصطفى البرغوثي الأكاديمي الفلسطيني المناضل وغيرهم ولكل منهم رؤية وموقف ومصلحة في تبيان الدور الأميركي الراهن أوالمنتظر في مجال العلاقات الدولية وكيف تستثمر واشنطن أحداث المشرق الإسلامي وهزاته العنيفة لتخدم مصالحها الإستراتيجية الحيوية. ولعله من نافلة القول بأن نسجل التأثير الفوري والبالغ لأحداث العراق ولانتشار (داعش) في محافظة نينوى والسيطرة الكاملة والسريعة على ثاني مدن العراق الموصل ثم تكريت والتقدم المأمون لقوافل (داعش) نحو بغداد باحتلال قرى وبلدات لم يصادف فيها مقاتلوها أية مقاومة أو عراقيل. كل هذه المعطيات لا أعتقد أنها غابت خلال جلسات المنتدى عن عقول هذه النخب المشاركة وبخاصة المسؤولين الأميركان العارفين بخفايا الملفات السرية للدبلوماسية الأميركية وكلنا ندرك بأن العراق ما يزال تحت (الرقابة) الأميركية اللصيقة إذا لم نقل (الاحتلال) الأميركي الناعم. فهل إن ما نراه مذهلا في سرعة الإنتشار الداعشي في العراق يراه الأميركان عاديا أو حلقة إضافية من مسلسل لعبة الأمم القوية في المشرق الإسلامي؟ و من هنا يأتي رد الفعل الأميركي السريع هو أيضا والصادر يوم الجمعة 13 جوان (يونيو) بالتلويح بالتدخل العسكري الأميركي.... وهذه المرة التدخل المرحب به من قبل إيران (سبحان مغير الأحوال!) ومن نوري المالكي والمرغوب فيه من قبل هوشيار زيباري وزير الخارجية الذي سبق أن زار طهران ويقال أنه وقع معها إتفاقا غير معلن لم يعجب واشنطن ولا يخدم مصالحها على المدى البعيد ! فهل تكون واشنطن أغمضت عيونها حين سجلت تحركات جيوش (داعش) من الرقة السورية أرض سد الفرات وأبار النفط إلى الموصل العراقية قلب الاقتصاد العراقي وحين قرر 32000 عسكري وأمني عراقي المتواجدين في الموصل وحولها الانسحاب بهدوء منذ وصول (داعش) دون إطلاق رصاصة واحدة ؟ كانت هذه الأسرار تحوم حول المنتدى ولا تجد أجوبة شافية لكن المحاور الرسمية التي تناقش فيها الحاضرون تؤكد أن الهاجس الأكبر للولايات المتحدة في منطقتنا هو ما تسميه واشنطن بالإرهاب فالمحاور المعلنة هي: (الجلسة الأولى) مستقبل أميركا في الشرق الأوسط وجنوب آسيا (الجلسة الثانية) هل يفوز الجهاديون بالربيع العربي ؟ (الجلسة الثالثة) الأزمة في سوريا (الجلسة الرابعة) تحديد مستقبل فلسطين (الجلسة الخامسة) حوار حول استيعاب التنوع الديني (الجلسة السادسة) دور الدولة والمجتمع المدني في باكستان في التصدي للتطرف وهنا تقر واشنطن بفشل برنامجها الباكستاني منذ 11 سبتمبر 2001 و ضياع 30 مليار دولار من الإعانات لباكستان حيث عجزت الدولة المركزية عن إنهاء تواجد الحركات الإسلامية على أرضها (الجلسة السابعة) الأقليات المسلمة في أميركا وأوروبا والبحث عن تناغم ديني بينها (الجلسة الثامنة) الانتقال الناجح في المجتمعات الإسلامية بين الشريعة والاجتهاد (الجلسة التاسعة) إنقاذ تمبكتو وهو محور يتطرق إلى الضرر الحاصل للثقافة والمخطوطات الإسلامية جراء العنف. هذه تقريبا أهم مشاغل وهموم المنتدى وهي تعزز اعتقادنا بأن النخب الأكاديمية والاستخبارية الأميركية التي نظمت هذا المنتدى غير راضية عن أداء الرئيس باراك أوباما في سياساته نحو الأمة الإسلامية كما صرح بذلك أستاذ العلوم السياسية الشهيرفي جامعة جورج تاون (روس هاريسن) وهي تستعد بالتالي للتمهيد لاسترتيجية جديدة تشترك فيها واشنطن مع الاتحاد الأوروبي نحو مواقف مختلفة إزاء تطور الأحداث فيما سموه العالم الإسلامي حين تزف ساعة رحيل أوباما عن البيت الأبيض وقدوم رجل أخر من حكومة الظل بمانهاتن ليعلن النفير الغربي العام لا ضد الإرهاب هذه المرة بل ربما لا قدر الله ضد الإسلام و حضارته! ألم يقل منظر العنصرية الغربية برنار لويس منذ ثلث قرن: إن الأمة المتمردة تصبح مثل الفهد المفترس فإما أن تقتله وإما أن تروضه ليتحول إلى مهرج في سرك الأمم !!