[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
إن الوعي بطبيعة الحياة وقراءة الغايات الحقيقية من خلق الإنسان، واستيعاب فكرة المبتدأ والمسيرة والمنتهى، وحقيقة التغير والتبدل والتسليم بأنه من الاستحالة بقاء الأحوال على ما هي عليه علاجات ضرورية للإنسان في الحياة، لكي لا يتفاجأ بما لا يتوقعه، ولكي يتمكن من مواجهة وتقبل السيئ منها مهما بلغت درجة خطورته.

الأمان والرفاهية والغنى والصحة والشباب والحياة الهانئة المستقرة واجتماع شمل الأحبة .. جميعها نعم غالية تشعر المرء بالسعادة والبهجة، وهي غاية ما يتمناه في دنياه، قد لا يعرفها البعض ولا يسمع عنها ولا يراها إلا في القصص والأحلام والأماني، وقد يعيشها وينعم بها آخرون ولكنها لا تأتيهم مجتمعة بل متفرقة وعلى فترات، وقد يجمعها الحظ والظروف بحياة إنسان ما وقد تجتمع في منزل أسرة من الأسر لفترة من الزمن قد تقصر وقد تطول ولكنها لن تتجاوز في الأساس سنوات العمر لجيل من الأجيال، إذ سرعان ما ستتلاشى وتتفرق وتغيب، وكذلك حياة الفقر والحزن والتعاسة والمرض سوف يعقبها التبدل والتغيير، هكذا هو ديدن الحياة وعلى هذه السجية والطبيعة يجري تعاملها مع البشر في أي زمان وفي كل مكان لا شيء باقٍ على حاله، التبدل والتغيير وتعاقب الأحوال سمة أساسية من سماتها، وهو أمر ليس بغائب عنا نحن المنتمين إلى هذه المرحلة الزمنية المعاشة، فالأمثلة والقصص المعبرة عن هذه الحقيقة تتراكم وتتفاعل ونحن نرى إخوة وأصدقاء وزملاء ومعارف لنا يتغير مجرى حياتهم بصفة مستمرة من فقر إلى غنى، ومن صحة إلى مرض، ومن شباب إلى شيخوخة، ومن تعاسة إلى سعادة، ومن جمع إلى فرقة أو العكس، ومعها تتبدل الممارسات والسلوكيات والملامح والرؤى، ترتسم ابتسامة جديدة في محيا إنسان لم يتم الاعتياد عليها من قبل، وتغيب ابتسامة أخرى لم تغب يوما عن وجه إنسان آخر، ولا يملك الإنسان إلا الرضا والتسليم بالواقع الذي فرض نفسه عليه والعمل في حكمة وصمت ووعي من أجل العلاج والتخفيف والتحسين والإصلاح والتعايش مع الحياة، فحالة الصراخ والتذمر والكفر وتجاوز العقل والمنطق والطبيعي لحظة المواجهة لما هو سيئ وقبيح ومرير لن تسهم إلا في تفاقم النتائج وتعقيد الأوضاع وخروجها عن السيطرة واستحالة المعالجة والتخفيف من الآثار. فالإنسان معرض لأخبار مزعجة وسيئة ومحزنة، مثلما هو معرض أو منتظر للأخبار السارة والسعيدة التي تشرح القلب وتدخل البشر إلى النفس، فمن ذا يستطيع منع الشيخوخة عن الوصول إلى ملامحه وأعضائه؟ ومن لديه القدرة على صد المرض أو الوقوف أمام الموت؟ ومن يمتلك القدرة على إبقاء النوائب والشدائد والكوارث والأوبئة بعيدة عنه؟ من القادر على تثبيت الزمن عند نقطة محددة ..؟ إن الوعي بطبيعة الحياة وقراءة الغايات الحقيقية من خلق الإنسان، واستيعاب فكرة المبتدأ والمسيرة والمنتهى، وحقيقة التغير والتبدل والتسليم بأنه من الاستحالة بقاء الأحوال على ما هي عليه علاجات ضرورية للإنسان في الحياة، لكي لا يتفاجأ بما لا يتوقعه، ولكي يتمكن من مواجهة وتقبل السيئ منها مهما بلغت درجة خطورته. إن الحياة قصيرة، إذ لا يكاد الأحياء يشعرون بانقضاء ساعاتها ومرور سنواتها وهم في غمرة انشغالهم في فضائها الواسع جريا وراء مصالحهم الخاصة، وسعيا لتأمين الضروريات، وحرصا وتفكيرا من أجل تحقيق الأهداف والمبتغيات، والانصراف إلى اللهو واللعب. هذه الحياة التي يقضي فيها البشر مراحلهم العمرية بدءا من الطفولة أي منذ أن يبصروا نور الحياة وحتى مرحلة الكهولة التي يستعدون فيها إلى الرحيل عن الدنيا، حاملين معهم ما اكتسبوا من أعمال الخير أو الشر ليست فقط سعادة وترفيها ووجها مشرقا ـ كما يظن الكثير من الناس خاصة ممن ألفوا هذا الوضع وتعايشوا معه سنوات طويلة ـ فهي تتكشف عن وجه آخر كئيب مليء بالمنغصات والأحزان، فالحياة يعقبها الموت وبعد الصحة المرض ويخلف الشباب والقوة الشيب والضعف والوهن، وقد يأتي الفقر بعد غنى ويفقد الحبيب حبيبه، فالأيام تسلب المتع والسعادة والجمال وتفرق بين الأحبة، فلا تكون الحياة حياة بدون الوجهين الجميل والكئيب، وعلينا أن نكون أشداء مستعدين متهيئين للتعامل مع كل الظروف والأوضاع .

[email protected]