[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]

كما جرت العادة، لم تخرج فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية الثانية والسبعين عن ما سبقها من دورات، من حيث تحويلها من قبل بعض القوى الدولية الكبرى إلى ساحة نزال وفقًا لتوجهاتها السياسية، مُكرِّسةً في الأذهان الصورة النمطية ذاتها التي تكونت عن أن الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تختلف في الأداء والفاعلية عن منظمة الأمم المتحدة الأُم ومجلس أمنها تبعًا لإرادة القوى الكبرى وتوجهاتها السياسية.
لقد كانت لافتة حالة التوجيه القسري لمسار فعاليات الجمعية العامة نحو قضايا تهم بالدرجة الأولى حليفين استراتيجيين هما: الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في إطار النزعة التسلطية لسيادة العالم، وانطلاقًا من معاندة حقيقة أن العالم جنح نحو تعددية قطبية، وأن نجم القطبية الأحادية قد أفل، وكذلك في إطار الالتزام الأميركي بضمان أمن كيان الاحتلال الإسرائيلي وتأمين بقاء مشروعه الاحتلالي ومده في المنطقة.
أبرز القضايا التي ارتفع صوت دلَّاليها في بازار الجمعية العامة كان الاتفاق النووي الإيراني، والتجارب النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، فلم يتوانَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استغلال هذه السانحة الأممية في مهاجمة الاتفاق النووي قائلًا إنه "محرج بالنسبة لأميركا" وإنه "توصل إلى قرار"، لكنه لم يفصح عنه. وإذا لم يشهد ترامب في أكتوبر بأن إيران تلتزم بالاتفاق فسيكون أمام الكونجرس الأميركي 60 يومًا لتحديد ما إذا كان سيعيد فرض العقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق.
طبعًا هذا الهجوم على الاتفاق النووي من قبل الرئيس الأميركي ليس الأول، فقد كان واضحًا منذ حملته الانتخابية أنه سيسعى إلى تقويض الاتفاق، متجاهلًا بذلك بقية الشركاء الدوليين (روسيا الاتحادية وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا) والأمم المتحدة التي أقرت هذا الاتفاق.
من الواضح أن الرئيس ترامب لا ينطلق فقط من وحي انتمائه وولائه للعنصر الصهيوني في كيان الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، وإنما يتحرك أيضًا بناءً على ثوابت سياسية أميركية تجاه كيان الاحتلال الإسرائيلي، ورضوخًا لضغوط اللوبي الصهيوني، حيث الهدف ـ كما هو واضح ـ الحصول على تنازلات إيرانية فيما يتعلق ببرامجها النووية والصاروخية، سواء ما يتعلق بضمانات المراقبة النووية، وإخضاع مواقع عسكرية إيرانية لم يشملها الاتفاق مثل موقع "طرشين"؛ أي تجريد طهران من حقوقها النووية التي تراها لازمة في تنفيذ خططها التنموية، ومن حقها في الاحتفاظ بالأسرار العسكرية غير المرتبطة بالاتفاق النووي. وهي تنازلات تراها الجمهورية الإسلامية الإيرانية مؤلمةً ومساسًا بيِّنًا بأمنها القومي.
لذلك، لم تتأخر طهران عن الرد على ما رأته مساسًا بأمنها القومي ومحاولة ابتزاز سياسي جديدة، بعد الخطابين التحريضيين للرئيس ترامب، وبنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي اللذين شنا هجومًا لاذعًا على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبرامجها النووية والصاروخية، حيث اعتبر الأخير أن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديدًا على العالم بأسره، زاعمًا "تخيلوا خطر مئات الأسلحة النووية في أيدي إمبراطورية إسلامية واسعة مع صواريخ تصل إلى أي مكان في العالم". فقد جاء الرد الإيراني في شقين سياسي وعسكري، الأول أتى على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني في خطاب بثه التلفزيون الرسمي: "سنعزز قوتنا العسكرية كقوة ردع، وسنعزز قدراتنا الصاروخية... ولن نطلب الإذن من أحد للدفاع عن بلادنا"، أما الشق العسكري فتمثل في تجربة صاروخ باليستي حمل اسم "خرمشهر" يبلغ مداه ألفي كيلومتر؛ أي قادر على بلوغ كيان الاحتلال الإسرائيلي.
أما القضية الأخرى التي حفل بها بازار الجمعية العامة، فهي تجارب كوريا الشمالية النووية والصاروخية، حيث توعدها ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة بتدمير كامل. ومبعث التحريض ضد بيونج يانج يمكن استنتاجه من رد فعل الرئيس ترامب على التجرية الصاروخية الإيرانية الجديدة حين قال في تغريدة له على تويتر "إيران اختبرت لتوها صاروخًا بالستيًّا قادرًا على بلوغ "إسرائيل". إنهم يعملون أيضًا مع كوريا الشمالية. فعليًّا ليس هناك اتفاق".
هاتان القضيتان (الإيرانية والكورية الشمالية) تبرزان بوضوح تام حقيقة فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث غابت عن هذه الفعاليات أبرز وأهم القضايا وهي القضية الفلسطينية، والتهديد الفعلي الذي يمثله كيان الاحتلال الإسرائيلي للأمن والسلم الدوليين وليس في المنطقة، وخاصة برنامجه النووي، قضايا الفقر والجوع والتعليم وتغيرات المناخ، والتنمية بجميع أشكالها ومجالاتها، تطوير منظومة الأمم المتحدة وتحسين دورها وفعاليتها، التغيرات المناخية، وهو ما يؤكد الحقيقة التي ذكرتها في بداية الكلام، أن هذا المحفل الأممي قامت بتجييره بعض القوى الدولية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لصالح سياساتها الامبريالية والتوسعية والتسلطية، ولصالح حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي، ونسيت واشنطن وحليفاتها وتابعاتها أو تناست أن هذه الدول وغيرها التي يجري مهاجمتها على المنصات الدولية والإعلامية قادها إلى تطوير وسائل الدفاع عن نفسها والاعتماد على قدراتها وكفاءاتها ومواردها البشرية هو السياسات الامبريالية والاستعمارية والتسلطية التي تمثلها الولايات المتحدة للتحكم بهذا العالم ودوله وشعوبه وثرواته ومقدراته، وعدم رغبتها في الاعتراف بتعدد القطبية.

[email protected]