بدلا من تهديد كوريا بالسلاح النووي, قررت أميركا أن تبيع سلاحا نوويا لكل من اليابان وكوريا الجنوبية, أي أنها تريد ضرب كوريا الشمالية بأيد آسيوية, ومن دول لم تطلب شراء هذا السلاح, ومن الأرجح أن اليابان التي ذاقت الأمرين من قنابل أميركا الذرية على هيروشيما وناجازاكي, لا ترغب في خوض حرب مع جارتها لحساب أميركا, وتفضل سياسة الترضية والرشوة الاقتصادية.

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]

حقيقة الأمر, أننا في حقبة تؤكد صحة كل الدروس التاريخية السابقة, ومنها, أن القوي يخشاه العالم, في زمن فرض الإرادة على الآخرين بالقوة, وإذا ما أرادت مطلق دولة احترام إرادتها واستقلالها, عليها أن تأخذ بأسباب القوة, ذلك تجنبا للظلم والقهر, الذي قد تعانيه على يدي الدولة الأعظم في عالمنا( رغم أن هناك من الأسباب ما يجعل هذا القول نسبيا, حتى أن كاتب هذه السطور سيكتب مقالة قادمة بعنوان, هل أن سيطرة أميركا على العالم بقيت مثلما كانت؟), ذلك أن رئيس هذه الدولة يريد تشريع قانون الغاب! فمسموح للكيان الصهيوني امتلاك أكثر من 300 رأس نووي وأسلحة دمار شامل, وممنوع على كوريا وإيران امتلاك مثل هذا السلاح. كما ممنوع على إيران استخدام الطاقة النووية حتى للأغراض السلمية, فرغم توقيع إيران مع مجموعة 5+1 اتفاقا نوويا أشادت به الولايات المتحدة, ورئيسها آنذاك باراك أوباما, فإن الرئيس الأميركي الحالي يريد إلغاء هذا الاتفاق, فقط, لأنه من وجهة نظره, فإن إيران تشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل, وترامب ولاؤه أكثر من هرتزل وجابوتنسكي وكاهانا وزئيفي, لذلك فالتحرش الأميركي بكل من كوريا الشمالية وإيران هو على أشده. لكن التهديدات الأميركية لم تزعزع قادة البلدين, مطلقا, وبهذا يكتسبان احترام العالم.
كيم جونج أون يتحدى ترامب, مثلما بلده. الأخير يهدد كوريا الشمالية بتشديد العقوبات, (وبالفعل استصدر قرارا بعقوبات جديدة ضدها), وقد وصل التهديد في إحدى الحالات إلى استعمال "الدمار والغضب" (يقصد القوة الذرية الأميركية الجبارة.) أما الطرف الكوري فهو يسير قدما ببرامجه النووية وإجراء التجارب, وآخرها صنع وإطلاق القنبلة الهيدروجينية وإطلاق صواريخ باليستية بعيدة المدى, قادرة على الوصول إلى ولايات أميركية كثيرة. في وقت من الأوقات قال ترامب بفخر واعتزاز, إن كوريا الشمالية أصبحت تحترم أميركا, وهو يقصد أنها خضعت للتهديد الأميركي بحملة الدمار والغضب والرعب, أي استعمال السلاح الذري. في المقابل جاء الرد الكوري بإجراء تجربة ناجحة على قنبلتها الهيدروجينية الجديدة ووسائل إطلاقها, التي تغطي معظم أميركا الشمالية. بهذا اتضح أن كوريا لم تحترم أميركا (ترضخ لها) بسبب تهديداتها الصارخة, وأن أميركا هي التي بدأت تحترم كوريا الشمالية, وتتجنب الصراع المباشر معها اتقاء لسلاح الردع الذي حصلت عليه.
بدلا من تهديد كوريا بالسلاح النووي, قررت أميركا أن تبيع سلاحا نوويا لكل من اليابان وكوريا الجنوبية, أي أنها تريد ضرب كوريا الشمالية بأيد آسيوية, ومن دول لم تطلب شراء هذا السلاح, ومن الأرجح أن اليابان التي ذاقت الأمرين من قنابل أميركا الذرية على هيروشيما وناجازاكي, لا ترغب في خوض حرب مع جارتها لحساب أميركا, وتفضل سياسة الترضية والرشوة الاقتصادية. لدى أميركا كل الأسباب والوسائل التي تعطيها حق التباهي بالتفوق في العلوم والفنون والاختراعات والطب والجامعات إلى آخره, ولكن الروح اللاإنسانية تفضل سياسة العنف. كوريا الشمالية كسبت هذه الجولة من الصراع مع أميركا, الذي لم تكن ترغب فيه, ولم تسعَ إليه، فهي دولة صغيرة, معزولة سياسيا ومحاربة اقتصاديا! وتخضع لعقوبات قاسية, ويرقى بعضها إلى مستوى الجرائم الإنسانية, وآخر ذلك, محاولة إعاقة قوافل المحروقات التي تستوردها كوريا الشمالية, وهي قضايا حياتية, لعل الشعب الكوري يجد نفسه بدون كهرباء وصناعة وماء, فهل تلام كوريا إذا سعت لامتلاك سلاح الردع, بالرغم من شح الموارد الاقتصادية والمالية؟ بصراحة, كوريا الشمالية التي أصبحت ندا لأميركا تحظى باحترام لم تحصل على مثله دولة أخرى مبتلاة بالعقوبات الاقتصادية الأميركية.
على صعيد آخر, يواجه الاتفاق النووي الإيراني امتحانا مفصليا بعد إعلان طهران اختبارها صاروخا باليستيا جديدا يصل مداه إلى 2000 كيلومتر, ويمكن له أن يحمَّل برأس نووي. رد الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاء سريعا, فغرد على تويتر "إيران اختبرت لتوها صاروخا باليستيا قادرا على بلوغ إسرائيل. إنهم يعملون أيضا مع كوريا الشمالية". برر الرئيس الإيراني حسن روحاني التجربة, بحق بلاده في تعزيز قدراتها الصاروخية ولن تسعى للحصول على إذن من أحد للقيام بذلك. كما ستعزز قدراتها العسكرية بقدر ما تراه ضروريا للدفاع عن البلاد. روحاني كان قد قال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة, إن بلاده ملتزمة بما وقعت عليه "لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي نقض للاتفاق", الذي كانت طهران توصلت إليه مع القوى الست الكبرى. وكان روحاني يرد على الرئيس الأميركي حين قال إنه جاهز للتخلص من هذا الاتفاق الذي وصفه بأنه "أحد أسوأ الاتفاقات التي شاركت فيها الولايات المتحدة". مراقبون رأوا في تصريحات ترامب رسالة واضحة للغاية, تحمل عبارة واضحة مضمونها أن المواجهة مع إيران قادمة.
جملة القول, إن إيران تتحدى كلا من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني, الذي يسعى جاهدا لدى الولايات المتحدة لإقناعها من أجل التخلي عن الاتفاق النووي, والعمل على ضربه عسكريا. القادة الإيرانيون لم تهتز لهم شعرة من تهديدات ترامب, وبذلك نالوا وينالون احترام العالم. التحية لإيران. التحية لكوريا الشمالية.