التقيت منذ ثلاثة أيام مضت بموظف مخلص ونشيط يعمل في فرع غرفة التجارة والصناعة بصلاله، ضمن زياراتي للتعريف بملتقى « نمذجة ريادة الأعمال، أستطيع» الذي سيقام ضمن فعاليات خريف صلاله في شهر أغسطس القادم. ويستضيف العديد من الشباب الناجحين في مجال ريادة الأعمال والمشروعات الفردية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويستعين بخبراء من السلطنة والخليج بالإضافة الى ماليزيا وسنغافورة. وبعد أن اطلع ذلك الموظف النشيط على مطبوعات الملتقى قال ناصحا: ألم تجد عنوانا أفضل من كلمة (نمذجة)؟ قلت له: إن اختياري لهذا المفهوم هو من قبيل اثارة التساؤل في عقول من يقرأون عنها، فالنمذجة منهج من مناهج النجاح، وهو عبارة عن استراتيجية لمحاكاة الناجحين، ويمكن أن تعمل النمذجة بفاعلية مع الأشخاص والمؤسسات والدول، فالتقدم الذي أحرزته نمور آسيا واليابان كان تجسيدا ناجحا (للنمذجة) وتعتمد نمذجة النجاح على خمس خطوات تبدأ بأن يحدد الشخص هدفه بدقة، ثم يختار نموذجا ناجحا في مجال اهتمامه من خلال ملاحظة ما يفعل ثم يقوم بمحاكاته، وبعد ذلك يقيم النتائج ويقوم بإجراء التعديلات. ومن الطريف أنني زرت أحد الأشخاص الناجحين ممن بدأوا العمل في سن الخامسة عشرة في وظيفة متواضعة قبل أن يحصل على الشهادة الإعدادية (الصف التاسع) وقد استمر هذا الشاب يعمل ويدرس حتى كلل كفاحه بالحصول على درجة البكالوريوس في مجال إدارة الأعمال، ثم بدأ العمل في روعه الخاص واستطاع أن يحقق نجاحا مشهودا في أكثر من مجال في ريادة الأعمال، ولم يكن مشواره مفروشا بالورود ولم يتسن له الحصول على دعم مالي كالفرص المتاحة للشباب في أيامنا هذه ولم يكن في السوق في ذلك الوقت من يأخذ بيده، لكنه ثابر وتعلم من خلال منهج المحاولة والخطأ، ثم استطاع أن يقف على قدميه، وفي إحدى سفراته رافقه شاب عماني آخر ممن أعجبوا بنشاطه وعزيمته ومثابرته، وطلب منه النصيحة خلال رحلتهما إلى إحدى دول الخليج ولم يبخل ذلك العصامي بتجربته التي لخصها بكل أريحية وبسطها، وعندما عادا إلى السلطنة باشر زميله فورا في محاكاته وأنشأ مشروعا تجاريا في نفس النشاط، واستمر يأخذ بنصحه وتوجيهه حتى أصبح أليوم رائد أعمال ناجح.
إن الإنسان فطر على المحاكاة والتقليد، وغالبا يمارس الناس المحاكاة اللاشعورية ويكتسبون عادات واستراتيجيات سلبية تكون نتائجها سلبية عليهم، لكن الذين يختارون نماذجهم وقدواتهم ويركزون على ما يفعل هؤلاء الناجحون غالبا ما يحققون نفس النتائج ثم يتجاوزنهم ويتفوقون عليهم. وللأسف قد تكون المحاكاة في أغلب الأحيان مكررة لتجارب سهلة دون تمعن أو دراسة، لكن ( النمذجة Modeling ) تشير إلى وجود نموذج ناجح قابل للنمذجة، أي للمحاكاة الموجهة والمقصودة، وذلك نظرا لنجاح هذا النموذج في مجال ريادة الأعمال أو في أي مجال آخر. وقد سبق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم علماء النفس عندما أصّل مفهوم النمذجة بقوله» صلوا كما رأيتموني أصلي» وفي حديث آخر «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» ثم جاء علماء النفس واعتبروا «النمذجة» منهج تعلم للمعارف والمهارات والقيم، ومن أمثال أولئك العلماء « البرت بندورا» رائد نظرية التعلم الاجتماعي، ثم جاءت مدرسة البرمجة اللغوية العصبية NLP التي أسسها باحثان أمريكيان هما «جون جريندر» و « ريتشارد باندلر» حيث بدءا نظريتهما بمحاكاة نماذج من الناجحين في عدد من المجالات؛ من بينها ريادة الأعمال والتعليم والرياضة والعلاج النفسي، بل واستطاعا إيجاد مهارات لمحاكاة الحيوانات الأليفة لتحقيق الألفة معها وتدريبها كالخيول والكلاب البوليسية وغيرها. لقد استفاد ملايين الناس حول العالم عندما عملوا بمبدأ « اذا استطاع شخص ما أن يحقق النجاح، فأنت أيضا تستطيع أن تحقق نفس النجاح الذي حققه ذلك الشخص إذا قمت بنفس خطواته بصبر ومرونة». ■