[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/04/ayman-hussien.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أيمن حسين
مراسل الوطن[/author]
لا تزال حالة من الشد والجذب تكتنف العلاقات الأميركية ـ الأوروبية تصل لحد محاولات البيت الأبيض التنصل من الاتفاقيات الدولية خاصة اتفاقية المناخ ومحاولات واشنطن ابتزاز أوروبا عن طريق طلب دفع أموال أكبر في الميزانية الدفاعية لحلف الأطلنطي مقابل ضمان الأمن بزعم أن أميركا هي التي تنفق بسخاء على منظومة دفاع الحلف يتحملها دافعو الضرائب في الولايات المتحدة.
كما تظهر على الساحة بوادر انقسامات أميركية ـ أوروبية بشأن إيران، حيث تراقب الولايات المتحدة عن كثب التزام طهران بالاتفاقيات المبرمة مؤخرا، ولا تخوض غمار أي أطروحات اقتصادية مع الجانب الإيراني وعلى العكس ترى أوروبا أن الاقتصاد الإيراني واعد وبه مشروعات تستحق مد يد العون وإرساء أسس التعاون الاستثماري المنشود. فيما لا تزال أيضا قضية مكافحة الإرهاب التي يجمع عليها العالم تمثل تباينا في المعايير والتقديرات بين واشنطن وأوروبا من زوايا معالجة قضايا سوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرها من البلدان التي اكتوت بنيران الإرهاب الأسود.
قضية المناخ:
يتسع حجم الخلاف بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ليشمل العديد من القضايا والمشكلات، بحيث لم تعد وقفا على قضايا التجارة الدولية وسبل حمايتها من الاحتكار والإغراق وغلق الأسواق لصالح المنتجات الوطنية أو قضايا تغيرات المناخ التي تفصل بين الموقفين الأميركي والأوروبي إلى حد دفع الرئيس الأميركي ترامب إلى الانسحاب من اتفاقية باريس لتصبح الولايات المتحدة وحدها في جانب وباقي الدول العشرين التي تمثل مجموعة الدول الأغنى والأقوى في جانب آخر بما يحمله ذلك من مخاطر جسيمة على مصير كوكبنا الأرض نتيجة تفكك جهود المجتمع الدولي لخفض حجم الانبعاثات الكربونية المعلقة في الجو التي تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الكون وذوبان جليد القطبين، وارتفاع مستويات المياه في البحار والمحيطات إلى حد يهدد بغرق نسبة غير قليلة من سواحل العالم، فضلا عن تغيرات مناخية أخرى ربما تكون أشد خطرا تتمثل في تنامي ظاهرات الجفاف والفيضانات والأعاصير بصورة تؤثر على كل مناحي الحياة فوق كوكبنا الأرض.
وفي قضية المناخ ـ التي تشكل واحدا من أهم أسباب الخلاف بين الموقفين الأميركي والأوربي ـ ثمة جهود جديدة يبذلها الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون أصغر رؤساء فرنسا على مدى عقود طويلة لإقناع صديقه الجديد ترامب أكبر الرؤساء الأميركيين الذين دخلوا البيت الأبيض بضرورة أن يتراجع عن موقف الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، بحيث تشارك الولايات المتحدة دول العالم في خفض نسب الانبعاثات الكربونية لمنع درجة حرارة الكون من الارتفاع إلى حد الخطر؛ لأن انسحاب واشنطن من اتفاقية المناخ يمكن أن يقوض التزام الجميع بالحصص المفروضة على كل دولة، بينما يتعلل الرئيس ترامب بأن الانبعاثات الكربونية التي تطلقها الصين هي الأضخم والأخطر على مصير كوكبنا الأرض يليها الانبعاثات التي تصدرها الهند، وأن الدولتين تستخدمان الطاقة الحرارية في معظم مجالات الصناعة دون الالتزام بخفض نسب التلوث بما يقلل من تكلفة الإنتاج خاصة في صناعات الحديد التي لا تراعي شروط الحفاظ على البيئة، وتحقق للدولتين ميزة تنافسية في الأسواق على حساب صناعة الحديد في الولايات المتحدة. ورغم ذلك يعتقد الرئيس الفرنسي أن الآمل كبير في أن يتراجع ترامب عن موقفه، ويعود للانضمام إلى معاهدة باريس، خاصة أن معظم الشركات الأميركية الكبرى لا توافق الرئيس ترامب على موقفه، ولا تعتقد أن الحل الصحيح هو انسحاب أميركا من اتفاقية باريس، وأن الحل الصحيح من وجهة نظرها هو المزيد من الاستثمار في مشروعات الطاقة الجديدة التي تحقق عائدا أكبر.
منظومة الأمن والدفاع:
وفضلا عن ذلك ثمة سبب آخر لاتساع حجم الخلاف بين الموقفين الأميركي والأوروبي يتعلق بقضية الدفاع والأمن الأوروبي يتنامى ويتصاعد منذ دخول الرئيس الأميركي ترامب إلى البيت الأبيض الذي يتهم الأوروبيين بخفض موازناتهم الدفاعية قياسا على حجم ناتجهم الوطني، وضعف إسهامهم في موازنة حلف الأطلنطي، ليصبح العبء الأكبر من كلفة الدفاع الغربي على كاهل دافع الضرائب الأميركي.
الملف الإيراني:
ثمة ما يؤكد أيضا أن أخطر نقاط الاختلاف بين الأوروبيين والأميركيين التي لم تجد بعد حلا صحيحا هي التي تتعلق بتضارب الرؤى والمصالح حول الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته طهران مع الولايات المتحدة وست دول أخرى بعد مفاوضات شاقة ومريرة انتهت بالاتفاق على رفع العقوبات الدولية عن إيران والإفراج عن أرصدتها المجمدة في بنوك الغرب، مقابل تجميد إيران للجانب العسكري من برنامجها النووي والتزامها بعدم السعي إلى إنتاج سلاح نووي والامتناع عن إنتاج يورانيوم عالي التخصيب بتجاوز درجة التخصيب المطلوب لإنتاج وقود نووي (4 في المائة) وتفكيك مفاعلها النووي الذي يعمل بالماء الثقيل، وإخضاع جميع مرافقها ومنشآتها النووية للتفتيش المنتظم والمفاجئ.
لأنه على حين تريد الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس ترامب مراجعة بعض بنود الاتفاق إن لم يكن هدره وتمزيقه وإلزام طهران وقف تجاربها الصاروخية، ترى طهران أن قضية تطوير قدراتها الصاروخية لا علاقة لها بالاتفاق النووي، وبينما تخطط واشنطن لفرض عقوبات جديدة على إيران وتدعو حلفاءها الأوروبيين إلى الامتناع عن المشاركة في أية استثمارات جديدة داخل إيران يرى الأوروبيون ضرورة احترام بنود الاتفاق النووي، خاصة أن وكالة الطاقة النووية تؤكد التزام طهران بكافة البنود، ويصر الأوروبيون حتى الآن على أن رغبة الأميركيين في تعديل بعض بنود الاتفاق أو إلغائه بالكامل لا يلزمهم في شيء، وأن امتناع الاستثمارات الأوروبية عن المشاركة في إيران سوف يضر بمصالح أوروبا في سوق نشيطة متنوعة المشروعات يتسابق الجميع على الفوز بمشروعاتها، وقد وقعت شركة توتال الفرنسية بالاشتراك مع الصين عقدا قيمته 9 مليارات دولار مع طهران على تطوير حقل غاز فارس الجنوبي على مدى عشرين عاما، وهو أول أتفاق ضخم توقعه إيران مع دولة أوروبية بعد توقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية، ما أثار شهية باقي الدول الأوروبية للدخول إلى السوق الإيرانية عكس ما يريده الأميركيون.
وبينما يرى الأميركيون أن تدفق الاستثمارات الأوروبية على إيران بهذه الصورة المتعجلة يمثل مكافأة غير مستحقة لإيران التي لا تزال تصر على تطوير برامجها الصاروخية ولا تنفذ بنود الاتفاق النووي بالدقة الواجبة يعتقد الأوروبيون أن إنهاء عزلة إيران ومحاولة دمجها في المجتمع الدولي والمشاركة في جهودها التنموية، يمكن أن يضاعف من قوة تيار الإصلاحيين داخل الحوزة الحاكمة الذي يمثله الرئيس حسن روحاني على حساب تيار المحافظين الذي تؤكد شواهد عديدة أنه يزداد ضعفا بعد أن وضح عجزه عن إنجاح مرشحه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة رغم مساندة الحرس الثوري وأجهزة الأمن والإعلام والمخابرات، إضافة إلى مباركة المرشد الأعلى خامنئي، وبالطبع ينحاز الأوروبيون إلى ضرورة الالتزام بالاتفاق النووي بصرف النظر عن وجهة نظر الأميركيين وموقفهم المتردد من الاتفاق.
الخلاف والتوافق:
وبرغم اتساع مساحة الخلاف بين الموقفين الأميركي والأوروبي حول القضايا الأساسية الأربعة المتعلقة بالدفاع والتجارة والمناخ واتفاق إيران النووي بما يزيد من قسمة العالم لا يزال الغربيون يبذلون جهودا كبيرة لترميم هذه الخلافات ومحاولة علاج أسبابها ويتوافقون على ضرورة تجنب صدام المصالح بين الاتحاد الأوروبي وأميركا والحفاظ على الحد الأدنى من علاقات التعاون والتنسيق المشترك، مع ضرورة استمرار الحوار حول هذه المشكلات أملا في تضييق مساحة الخلاف، خاصة في قضايا الأمن والدفاع من خلال زيادة موازنات دفاع الدول الأوروبية ورفع قيمة إسهامها في موازنة حلف الأطلنطي.
كما يتوافقون في قضايا التجارة الدولية على أن تغييرات مهمة لا بد أن تلحق بالليبرالية الاقتصادية توازنا بين ضرورات تعزيز التعاون الدولي والحفاظ على أسس العولمة وإصلاح شروطها وبنودها بدلا من إنكارها، وعدم الإضرار بالمصالح الوطنية الأساسية المتمثلة في الحفاظ على الأمن وأولوية السكان الأصليين في الحصول على فرص العمل تحت الضغوط المتزايدة لمخاطر الهجرة القادمة من الجنوب وتأثيرها على الأوضاع الأمنية في البلاد ونسب البطالة بين السكان الوطنيين، خاصة أن المهاجرين القادمين من الجنوب يقبلون أجورا أقل ما يعطيهم أولوية خاصة في الحصول على فرص العمل على حساب السكان الوطنيين.
قضية الهجرة:
وكما تفكر دول جنوب أوروبا خاصة إيطاليا في تضييق عمليات الإنقاذ التي تتم في البحر الأبيض لمواجهة الأعداد المتزايدة من المهاجرين الذين يغامرون بركوب قوارب متهالكة من الساحل الليبي غالبا ما تغرق بركابها عرض المتوسط تحاول الإدارة الأميركية التضييق على الهجرة بوسائل وإجراءات أخرى أهمها فرض شروط تعجيزية صارمة تمنع دخول القادمين الجدد من دول إسلامية، وبناء حائط ضخم بطول حدود المكسيك مع الولايات المتحدة لمنع المهاجرين من أميركا اللاتينية.
ملف الإرهاب:
ومع تشعب أسباب الخلاف الأوروبي الأميركي وتفاوت خطورة هذه الخلافات على علاقات الطرفين وعلى أمن الشرق الأوسط واستقراره، ثمة ضوء مهم في نهاية هذا النفق يتمثل في توحد مواقف الأوروبيين والأميركيين على أن الإرهاب هو الخطر الأكبر الذي يهدد الشرق الأوسط والعالم أجمع، ويلزم المجتمع الدولي بأكمله ضرورة الاصطفاف في جبهة واحدة قوية تستطيع حصاره وتصفيته، كما يلزمه اتخاذ كافة الإجراءات التي تجفف منابع تمويله وتتعقبها وتعاقبها إلى أن يمتنع الجميع بصورة مطلقة؛ لأن الحرب على الإرهاب والسكوت على مصادر تمويله متناقضان أساسيان يستحيل اجتماعهما لأن اجتماعهما يجعل من هذه الحرب عملا بلا معنى تماما مثل محاولة الحرث في البحر.
وهناك بعض الدول الأوروبية لا تزال تمسك العصا من نصفها حرصا على مصالح ضيقة، لكن الصحيح أيضا أن موقف هذه الدول جد ضعيف أمام إجماع الرأي العام العالمي والشعوب كافة، على أن الإرهاب هو الخطر الحالي الذي يهدد عالمنا بما يملي على الجميع ضرورة التكاتف من أجل هزيمته واجتثاث جذوره، والأمر المؤكد أن توحد الموقفين الأوروبي والأميركي على ضرورة اجتثاث جذور الإرهاب يتيح فرصا واسعة للدول المتضررة من الإرهاب أن ترفع صوتها عاليا في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية تطالب بعقاب كل من يمد الإرهاب بأي من صور العون المادي والمعنوي ـ كما قال الرئيس ترامب ـ لأنه ما لم يتم تجفيف مصادر تمويل جماعات الإرهاب ويساند العالم أجمع المعركة الضخمة ضد هذه الجماعات، فسوف يستمر الإرهاب وربما ينتشر ويقوى ليهدد أمن العالم أجمع، وليس فقط منطقة الشرق الأوسط.
الخلاصة:
هناك مساحات للاختلاف أكبر من مساحات الاتفاق بين الجانبين الأميركي والأوروبي تلوح في الآفاق على الساحة العالمية، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ وطلب واشنطن من أوروبا دفع ميزانية أكبر لدعم منظومة الأمن والدفاع بحلف الأطلنطي بجانب التقارب الأوروبي ـ الإيراني الذي لا تفضله الولايات المتحدة على الصعيد الاقتصادي. بينما هناك ثمة تقارب في المواقف حيال ضرورة مكافحة الهجرة غير الشرعية، لكن تتباين الوسائل فأميركا تتعامل بصرامة مع ملف الهجرة والمهاجرين، خاصة من الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بينما أوروبا تستهدف فقط منع مخاطر ظاهرة تدفق الآلاف من اللاجئين بطرق الهجرة غير الشرعية. كما أن هناك تقاربا في المواقف حول ضرورة مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله، لكن أيضا تتباين تعريفات القارة العجوز وواشنطن حول مكنون الجماعات المسلحة والإرهابية وتصنيفها خاصة في سوريا وليبيا والعراق واليمن وسط خضم المعارك الدائرة في هذه البلدان والتي أشعلت الموقف والمشهد بالشرق الأوسط والمنطقة العربية.