كم من السلالم علينا أن نصعد؟، وكم من الساحات نعبر لنصل إلى مقر إقامة الإمبراطور؟.
كان ذلك أول ما تبارد إلى ذهني، ونحن في المدينة المحرمة، نتزاحم مع مجاميع بشرية للوصول إلى القصر الإمبراطوري وسط العاصمة بكين..
كانت الوقت ظهرًا، وكان علينا أن لا نتأخر في الوقوف أمام الأبواب الضخمة، والنقوش والتماثيل المتداخلة، والتصاميم البديعة التي يحفل بها القصر، كما أن علينا أن لا نعجب كثيرًا من الجموع الغفيرة التي تأتي إلى هذا المكان، وتظل تسير دون هوادة حتى الوصول إلى آخر نقطة في المدينة القرمزية المحرمة.
في الخارج كان نهر هو تشنغ يحاذي السور المرتفع، ويتخلل حينًا بعض المقصورات التي اقيمت على ضفتيه، مشكلا كما يحمل اسمه دفاعا حصينا عن المدينة المحرمة، أو القصر وملحقاته، ومكونًا بحيرة صغيرة فائقة الجمال.
توقفنا جميعا نلتقط الصور التذكارية، فيما كان صوت أمينة يستعجلنا للوصول إلى بوابة المدينةـ فالمدة التي امامنا قصيرة جدا، ولا تكفي ـ حسب قولها ـ لمشاهدة كل التحف والكنوز الموجودة في الداخل.
استلمنا تذاكر دخول المدينة المحرمة أو القصر الإمبراطوري والتي تبلغ 60 يوانا، أي ما يعادل (3 ريالات عمانية)، وكان علينا أن نخضع لتفتيش دقيق قبل الدخول، بعدها وجدنا انفسنا ندلف من بوابة ضخمة، ثم نعبر نحو ساحة فسيحة امتلئت بالحشود الزائرة، ومن الخلف بدت ذات صورة المبنى الذي دخلنا منه، وهكذا كنا نعيش ذات المشاهد البديعة في المباني والقباب القرمزية التي تزين القصر، وتعطي ايحاء آخر عن عظمة شعب الصين واباطرته، وكيف شيدوا مثل هذا القصر العظيم، والذي كان مقرا لأباطرة أسرتي مينج وتشينج، يمارسون فيه شؤونهم الإدارية.
كانت أمينة تحكي لنا في كل موقع نقف فيه داخل القصر، عن أباطرة الصين، وعن لقب الإمبراطور، وكيف نشأ، إذ جرت العادة أن يحمل حكام الصين لقب ملك، ومع تقسيم الصين إلى ولايات متحاربة منفصلة، بات لقب "ملك" شائعًا جدًا على نحو دفع موحد الصين، أول إمبراطور في أسرة تشين تشين شي هوانغ إلى إنشاء لقب جديد لنفسه، وهو إمبراطور، وظل هذا اللقب يُستخدم طوال الفترة المتبقية من التاريخ الإمبراطوري للصين حتى سقوط أسرة تشنيغ في عام 1912م.
كنا نسير، من ساحة إلى أخرى.. ونستعجل الوصول إلى السفح الأعلى حيث ظهرت قبة اقامة الإمبراطور، في منطقة جبلية مرتفعة تحيط بها الأشجار والأزهار من كل الجهات، كنت اتصور المشهد الذي يطل عليه الإمبراطور من شرفته هناك.. حيث النهر الصناعي يحيط دفاعًا بالمدينة، والمقصورات على النهر تحفل بمشاهد الجواري وهن يستحمن في النهر، أو يعزفن على الموسيقى، فيما يقف الجند متأهبين لصد أي عدوان، ويسمع خرير الماء الساقط من قمم التلال الجبلية في حديقة تشيان لونغ الملكية، ويمتزج لحن العنادل بتغاريد الطيور والعصافير، مع نسائم الهواء التي تضرب أوراق الشجر..
يقف الإمبراطور في شرفته، فيرى مدينة بكين، وميدان تيانانمن القريب منه.. فيتحسر أن ليس بمقدوره أن يستمتع بكل هذه المشاهد، ويعايش كل هذه الصور الجميلة المتوالية عليه، فامامه برنامج مزدحم بالأعمال والمهمات، وجدول صارم عليه أن يلتزم به بشكل دقيق.
كان هناك الكثير مما يمكن مشاهدته داخل القصر، فيكفي أن تقف بعد أحدى البوابات، وتتأمل أولا حجم البوابة، وعظمة النقوش التي عليها، ثم تقدر وزن هذه البوابة، وكيف تم رفعها في مكانها، بجانب التماثيل والزخراف التي تزين الأعمدة والأسقف، وكيف تم رسمها ونقشها بهذه المهارة الفائقة.
تأخرنا كثيرا في انتقالنا بين ساحة وأخرى، حيث كان كل منا يصور ويتأمل المشاهد التي أمامه، منفصلا عن العالم الصغير الذي يحيط به، فيما كانت أمينة أن تستحثنا على المسير، وتذكرنا بالبرنامج التالي الذي علينا الوصول إليه حسب المتفق.
وفي اعتقادي، فأن مكونات القصر كانت تستحق الوقوف طويلا، ولذلك حينما خرجنا أولا من جانب احدى الساحات المفضية إلى مقر اقامة الإمبراطور، ودلفنا إلى الحدائق الملكية، ورأينا شلالات المياه وهي تنساب من تلة كبيرة، وحولها مجموعة من النقوش واللوحات الفنية، توقفنا برهة ليست قصيرة متأملين المشهد، مشدوهين للمنظر البديع.
كانت هيئتنا العربية، مثار دهشة للكثير من الزوار الصينيين، وأمكننا مقابلة عدد من الزوار الذين كانوا يلتقطون لنا صورًا من بعيد، فيما يطلب بعضهم التصوير معنا، كان الشعب الصيني في مجمله علامة للطيبة وحسن المعاملة، وكان ودودًا ومرحًا ومضيافًا، وقلّ أن نرى في شوارع العاصمة، أو حتى في المدن التي ذهبنا إليها، مواطن صيني يشتاط غضبًا، أو يرفع صوته عاليًا، أو حتى عابسًا قنوطًا.
كانت أمينة مثالا للشعب الصيني، فقد وجدنا ابتسامتها هي ومن معها حاضرة في كل مرة نلتقي فيها، أو ننتقل عبر الحافلة أو القطار من مكان إلى آخر.
الأمر ذاته انعكس على المجموعة التي كنا فيها، فقد كانت ابتسامة الجميع وبشاشتهم حاضرة، تتصدر اللقاءات والزيارات، وحتى في الصور العديدة التي كانت عدسات ناصر العبري وكاظم العجمي وربيعة الحارثية تلتقطها بجانب عدسات هواتفنا.
كنت في تلك اللحظة وأنا اغادر المكان استعيد قصيدة القصر الحزين للخليلة المنسية.. وهي من الأدب الصيني القديم، وتعبر عن الأسى للفرص الضائعة، ومرور الوقت، وفقدان الشباب، تقول كلماتها:
غمرت الدموع منديلها الشفاف
ولكن الأحلام لم تأتِ،
في عمق الليل، من أمام القصر
كان بامكانها أن تستمع إلى ضربات الموسيقى.
أن خديها الورديين لا يزالان نضرين
لكنها فقدت الحظوة عن الإمبراطور
تجلس هناك، تتكئ على المخدة؟
بانتظار طلوع النهار.

***
حتى هنا.. كان علينا أن نستخدم السلالم للوصول إلى ساحة تيانانمن، لكنها لم تكن بطول سلالم سور الصين العظيم، ولا بكثرة سلالم القصر الإمبراطوري.. وإنما سلم واحد نزلنا منه إلى النفق الذي يقطع الشارع، ثم صعدنا من الجهة الأخرى لنجد أنفسنا قبالة الساحة.. تحيط بنا الأزهار من كل صوب، وترتفع في البعيد صورة الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ.
قبل ذلك، أوقفتنا الحافلة التي كنا نستقلها في زياراتنا، في منتصف شارع تشانغآن بالقرب من الساحة، وكان علينا أن نقطع المسافة الباقية مشيا على الأقدام، ونندس بين الجموع الغفيرة التي تأتي وتروح على الشارع، وتقف بانتظار اضاءة الإشارة الخضراء، ومن ثم مواصلة المسير.
كانت المباني الحكومية والتراثية تتقارب بعضها من بعض، والشارع الفسيح كما شوارع العاصمة بكين، منتظم في المسير، والمركبات تروح وتأتي بسلاسة دون أي ازدحامات مرورية خانقة، وبدت في الجوار محطة القطار القديمة بتصميمها المعماري المتميز.
ولأن الساحة في الجهة الأخرى، فقد كان علينا أن نستخدم النفق الواصل إليها، والذي مثل بوابة دخول إلى تيانانمن، حيث أخذ موظفو الأمن مواقعهم قبيل مدخل النفق، وراحوا يفتشون الزوار، قبل الدخول.
كان الأمر سهلا وسلسا، فلم يستغرق أكثر من دقيقة واحدة، وجدنا بعدها انفسنا نسير في نفق طويل مكيف ونظيف، وليس على جدرانه أي كتابات أو رسومات عبثية، ولا وجود حتى للمشردين والمتسولين.
كانت ساحة تيانانمن فسيحة وممتدة الأركان، وتكاد تكون الأضخم بين الساحات والميادين المعروفة في العالم كالساحة الحمراء في قلب مدينة موسكو، أو ساحة جامع الفنا في مدينة مراكش المغربية، أو حتى ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، وساحة بياتسادلكامبو في قلب مدينة سيينا في إيطاليا.
تتسع الساحة لحوالي مليون شخص، ويمكنها استيعاب المزيد إن لزم الأمر، وهي محاطة بالكاميرات وعدسات التصوير المنصوبة في كل الاتجاهات تقريبا، ولذلك لم يكن الأمر في حاجة إلى انتشار أمني في المحيط.
كانت صورة الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، بارزة على أحد المباني في الساحة، ومعها الشعار الذي رفعه ماو "لتعش الوحدة الكبرى لشعوب العالم"، كانت الساحة وكأنها تستذكر اللحظة التاريخية التي وقف فيها ماو تسي تونغ في الأول من أكتوبر عام 1949م، وأعلن قيام جمهورية الصين الشعبية، حيث أصبح ميدان تيانانمن، منذ ذلك الحين رمزًا للصين الجديدة.
في الجوار كان ثلاثة جنود صينيين يقفون بثبات أمام قبر الجندي المجهول، حاولت أن ارصد منهم حركة أو التفاتة، فلم انجح.. كان الجنود واقفين بثبات كأنهم تماثيل منصوبة لحراسة القبر، وعلى مقربة منهم ارتفع العلم الصيني خفاقا.
تقول أمينة: أن ثمة احتفالات عسكرية ورسمية، واحتفالات برفع العلم، تتم في هذه الساحة، واستذكرت معنا أهم ما شهدته ساحة تيانانمن في العصر الحديث، حينما احتل مجموعة كبيرة من الطلاب الصيين الساحة بين 15 إبريل و4 يونيو من العام 1989م، وقاموا بمجموعة من المظاهرات للمطالبة بالديمقراطية والإصلاح، ونالت هذه المظاهرات دعمًا واسعًا من العمال، قبل أن يتم إعلان الأحكام العرفية في 20 مايو 1989م، ومن ثم قرار تنظيف الساحة بالقوة من المتظاهرين.
كان وجودنا في الساحة باعثًا على توثيق هذه اللحظة التاريخية بالنسبة لنا بكل عدسات التصوير المتوفرة لدينا.
مشاهد وجوانب مختلفة من الساحة حاولنا أن نأتي عليها جميعا، ونحن نمر بعدساتنا على هذه المشاهد، ونبحث عن الصورة الأجمل، كان الحل الأمثل لإلتقاط أفضل صورة في المكان، هو الاستعانة بالمصورات اللواتي يتواجدن في الساحة، ويقمن بالتقاط زوايا تصوير جميلة، وفي ذات الحال بسعر معقول.
وقفنا جميعا هذه المرة، وفي الخلف تبدو صورة الزعيم ماو، وكأنها تشكل جزءا من الصورة، وبعد بضع دقائق كانت الصورة التذكارية بنقاوتها وجودتها بين أيدينا..
كانت ساحة تيانانمن في اللحظة التي غادرناها، تبدو حزينة رغم الزهور التي تحيط بها، ورغم الإبتسامة التي تنتظر ومضة عدسة توثقها، ورغم وتيرة الحياة المتسارعة التي تسير بالقرب منها.. ورغم أنها تجاور المدينة القرمزية والقصر الإمبراطوري، حزينة لأن ذكرى حزينة ارتبطت بها، لم تمحو آثارها كل السنون التي مضت.
وحزينة أكثر، لأن الذين يأتون إليها، لا يستذكرون من تاريخها، غير القمع والمذابح، رغم أن "تيانانمن" تعني بوابة السلام السماوية..

***
لا يمكن أن يفكر المرء بزيارة الصين، دون أن يسأل أولا عن الطعام، ونوعياته، ومكوناته.
كان الطعام الصيني، هو علامة الإستفهام التي حملناها معنا منذ اليوم الأول، فما نعرفه عن المطبخ الصيني لا يتجاوز اطباق المعكرونة والأرز المقلي بالخضار، وغير ذلك تبدو وصفات بعض الأطعمة بطريقة لا تتقبلها النفس، أو تستسيغها.
كانت إشارة كاظم العجمي إلى رائحة الطعام الصيني المقدم لنا في الطائرة المتجهة إلى بكين، أول الانطباعات في هذا الشأن، ثم تبدلت الصورة قليلا بمجرد مروري على قائمة العشاء في الفندق، في أول يوم لنا في بكين.
في اليوم الثاني، كنا مدعويين في أحد المطاعم الشهيرة التي تقدم الأكل الحلال، وكان نظام المطعم للمجموعات هو الجلوس حول طاولة دائرية متحركة، تلف فيها الصحون يدويا.
كانت نادلة المطعم تضع امامنا الصحن تلو الأخر، فيما أمينة تقوم بشرح نوعية الطعام واسمه، وكانت تجتهد في سبيل ذلك مستعينة بثقافتها حول المطبخ الصيني، بالإضافة إلى ما يقدمه الطهاة ونادلي المطعم، كانت الخيارات المقدمة واسعة جدا، لكننا وجدنا في نوع من الأطباق شبها باللحم المقلي، فكان ذلك الطبق الأكثر تناولا، كما هو الحال مع طبق الدجاج المقلي بالخضروات والفلفل الحار، بالإضافة إلى اطباق الخضروات المسلوقة.
كنت أنظر إلى وجوه الرفاق واستعين بذائقتهم حيال الأطباق والأطعمة التي يبدأون بها، وكنا نتهامس على الطبق الأجمل، فتلف الطاولة حتى تتوقف عند الطبق المنشود.
وبجانب ذلك، كان كاظم العجمي رفيقي في التعرف على طعم بعض الأطباق، حيث كنا نتبادل النصائح بشأن مكونات كل طبق، ولذة طعمه من عدمها.. وكانت هذه النصائح تلف حول الطاولة، كما تلف الصحون فيها.
كان الغداء أو العشاء في المطاعم الشهيرة في العاصمة بكين أو في مدينة تشينغداو حاضرًا بشكل يومي في برنامج الزيارة المعد لنا، وكانت بعض اللقاءات والزيارات الرسمية تنتهي بتناول وجبة الغداء أو العشاء في ذات مكان الزيارة.. ولم تكن الأطباق المقدمة في هذه اللقاءات بأقل عما يقدم في المطاعم الفاخرة، فقد كان الجميع حريصًا على تعريفنا بتنوع المطبخ الصيني وعدم اقتصاره على أطباق محدودة كما يشاع.
وكما هو الحال في الكثير من المطاعم، كانت الطاولة الدائرية التي تتحرك عليها الأطباق والصحون هي القاسم المشترك بين الكثير منها، وكان ذلك ما يبعث الراحة في أنفسنا، فبدلا من القيام لأخذ نوعا من الطعام، كانت الطاولة تدور يدويا أو آليا، ليأخذ كل فرد حولها مما يشتهي من الطعام.
في أحدى الزيارات كان علينا أن نخوض تجربة تناول البط البكيني المشوي، وهو من أشهر الأطباق في بكين، وأحد أكثر الأكلات شعبية في الصين، حيث أكتسب هذا النوع من البط شهرته من خلال ألوانه الزاهية الفاتحة للشهية وجلده الهش ولحمه الطري.
كان الطباخ يقطع شرائح البط ويرصها بطريقة جميلة على الطبق، قبل أن تساعدنا نادلة في وضعها على الخبز الصيني الأبيض مع شرائح الخيار والبصل الأخضر وتضع عليها صلصلة الصويا الحلوة، ثم تقدمها لنا، وكأنها فطيرة لحم، أو ساندويش شاورما.
كان الطعم لذيذا، ولذلك وجدنا انفسنا نطلب المزيد من هذه الفطائر، قبل أن اسأل أمينة عما إذا كان البط كطائر يمثل أي معنى أو قيمة أو حتى قداسة لدى الصينيين.
نظرت نحوي ونحن خارجون من المطعم، في انتظار الحافلة التي ستقلنا إلى مقر اقامتنا، وهي متعجبة من السؤال.
ـ لا ، لا يمثل أي شيء، البط في الصين حاله كحال أي حيوان آخر، ولذلك نحن نتناوله.
عرفت بعدئذ أن لذة البط المشوي تكمن اساسًا في بط بكين الممتاز باعتباره من أفضل أنواع البط اللحمي جودة في العالم، ويقال أن تربية هذا النوع من بط بكين بدأ قبل حوالي ألف سنة، حيث يتم تسمين هذا البط الأبيض اللون عبر اطعامه اجباريا، ومما يروى من حكايات البط المشوي في الصين حسبما يورده كتاب "تاريخ اسرة يوان"، أن باي يان قائد جيش أسرة يوان قام بتهجير بعض الطباخين فى مدينة لينغآن إلى مدينة دادو (مدينة بكين حاليا) بعد أن قهر المدينة، وبذلك انتقل فن إعداد البط المشوي إلى العاصمة.
أما غرائب المطاعم التي قمنا بزيارتها، فقد كان في أحد مطاعم مدينة تشينغداو، كانت فرحتنا كبيرة ونحن نقرأ لوحة صغيرة معلقة في الخارج تقول، "المطعم لا يقدم إلا لحومًا إسلامية"، لكن المفاجأة حينما اخذنا مواقعنا في الطاولة المستديرة، أن وضع قبالة كل منا قدرًا صغيرًا يغلي بالمياه..
نظرت نحو القدر فوجدت فيه قطع من الربيان الصغير، ولا شيء آخر.. ثم وضعت امامنا شرائح لحم حمراء غير مطبوخة، وأمام دهشتنا، طلبت منا أمينة أن نتنظر برهة، حتى نتعرف على الطريقة الجديدة في الأكل، حيث توالت بعدئذ أطياق الخضار غير المطبوخة، ووعاء يحوي ربيان كبير يبدو أنه أخرج للتو من مزرعته، حيث تم تغطية الوعاء حتى لا يقفز الربيان من مكانه.
كانت الطريقة التي تعرفنا عليها هي أخذ شريحة صغيرة من اللحم ووضعها في قدر الماء المغلي، وانتظارها دقيقة أو دقيقتين قبل اخراجها، وتناولها.. والحال ذاته بالنسبة لباقي الأطباق من الربيان والبطاطا والخضار وغيرها، حيث يتم رميها في الماء المغلي، ومن ثم اخراجها وقد اصبحت جاهزة للأكل.
وأعترف أن الطريقة بكل ما فيها من اثارة وتجديد في الطهي وتناول الطعام، إلا أنني شخصيًا لم استسغ الأمر، رغم أنني أكلت كثيرا من الربيان والبطاط وحتى شرائح اللحم المغلية.
كان سعود الغماري وقيس الفارسي وناصر العبري يتبادلون الحديث مع مضيفينا، متحدثين عن الفكرة الجديدة في هذا المطعم، وعن اعجابهم بطريقة الطهو الحديثة في المطبخ الصيني، أما أنا وكاظم العجمي وربيعة الحارثية فقد كنا في الجهة الثانية من الطاولة نتساءل عن أفضل الأطباق التي يمكن تناولها، بعيدا عن هذه التجربة الجديدة.. ثم همست لـ كاظم متسائلا، إن كان الجبن الذي احضره معه من مسقط ما زال باقيًا عنده.

للتجوال بقية..

تجوال: خلفان الزيدي
Twitter: @khalfan74