[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]

بغض النظر عن موقف الولايات المتحدة الذي جاء على لسان وزير خارجيتها ريكس تيلرسون بشأن استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق بعدم اعترافها بهذا "الاستفتاء الأحادي الجانب"، وأن "التصويت والنتائج افتقدتا للشرعية، ونحن نواصل دعم عراق موحد فيدرالي ديمقراطي مزدهر". إلا أن هذا الاستفتاء ما كان له أن يمضي ـ رغم المعارضة الدولية الواسعة له ـ وما كان لمسعود البرزاني أن يصم أذنيه أمام المناشدات والدعوات بتأجيل الاستفتاء، ويشرب كأس الشجاعة متحدِّيًا لولا الدور الصهيو ـ أميركي الذي اتخذ من كردستان العراق أو بالأحرى من الأراضي التي يتركز فيها المكوِّن الكردي في العراق وسوريا وتركيا وإيران مرتعًا مناسبًا في إطار الانتقال السريع إلى الخطة البديلة "ب" بعدما أخذ يحصد الفشل الذريع من خطته الأولى "أ" المتمثلة في الإرهاب القاعدي بذراعيه "داعش والنصرة".
لقد مضى استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق وفق ما أراد له المخططون والمريدون، وبالتحديد الصهاينة والأميركيون ومن والاهم، حيث تقاطرت الناس بين مؤيد للانفصال، وبين مرغَم على التصويت بالانفصال، وبالتالي لم تكن هناك دهشة من نتائج الاستفتاء التي وصلت 93 في المئة أو حتى وصلت إلى نسبة مئة في المئة أو تسعة وتسعين في المئة، طالما أن ثمة قوى ظاهرة وباطنة تدعم هذا الاستفتاء استند إليها رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، كما يبدو ذلك واضحًا من خلال الإصرار والتحدي على إجرائه رغم الرفض الدولي الواسع والتحذير من مآلاته.
في مثل هذه النزعات الانفصالية ـ التي تجري خارج القواعد الشرعية وتخالف القواعد والنظم الدستورية ـ معروف عنها أن جهة ما أو قوى هي عادة ما تكون الرابحة والمستفيدة، لا سيما إذا كانت هذه القوى هي التي تقف وراء النزعة الانفصالية، وتقدم كل ما لديها من وسائل وآليات داعمة من أجل الوصول بالنتائج إلى النهايات التي أرادتها والأهداف التي وضعتها.
وفي وضع ـ كما هو حال العراق الآن ـ فإن نزوع إقليم كردستان العراق نحو الانفصال القسري رغم ما يتمتع به من استقلال وامتيازات سياسية واقتصادية وشراكة واسعة مع الحكومة المركزية في بغداد، إنما يأتي استكمالًا لسلسلة مخطط استهداف المنطقة بالتقسيم، وإعادة رسم خريطتها وفق اتفاقية تقسيم ثانية غير اتفاقية سايكس ـ بيكو المعروفة، ويقع العراق وسوريا في قلب هذا التقسيم الجديد المراد، حيث كانت نقطة الانطلاق في مخطط التقسيم في العام 2003م حين غزا الأنجلو ـ أميركي العراق تحت شعارات كاذبة وخادعة ومضللة. ولما بدأ العراق يستعيد عافيته وينهض من عثاره، وينفض حطام الغزو ومخلفاته المأفونة الطائفية والمذهبية، اضطر الغزاة والمحتلون إلى الخروج في جنح الليل بعد خسائر مادية وبشرية كبيرة تكبدوها، وتوصلوا إلى قناعة بأن حروبهم الكلاسيكية خاسرة، ما دفعهم إلى المسارعة نحو إيجاد البديل لذلك، فكان الخيار هو تلويث الأرض العراقية بالإرهاب القاعدي وتأجيج الفتن الطائفية والمذهبية وإنتاج جيوش الحرب بالوكالة ليظهر تنظيم "داعش" الإرهابي كنواة للخيار البديل، الذي لم يخفِ المخططون الساعون إلى تقسيم المنطقة وإعادة رسم خريطتها الجغرافية هدفهم بإسقاط حكومات دولها عبر جيوش الوكالة المستوْلَدة من رحم الإرهاب القاعدي على النحو الذي يراه الجميع ويشاهده، حيث تتقدم مشهد التدمير والتخريب ومحاولات العبث بدول المنطقة وإسقاط حكومتها ذراعا تنظيم القاعدة الإرهابي "داعش والنصرة" ومن معهما من بقية التنظيمات الإرهابية الأخرى، فلم يبخلوا على هذه التنظيمات الإرهابية مجتمعة من مال وسلاح وميادين تدريب ومؤن ودعم استخباري. إلا أنهم لم يكن يتوقعون ـ وفق اعترافاتهم ـ بأن المستهدفين بالإرهاب وتحديدًا العراق وسوريا سيصمدان ويتمكنان من دحر جيوش الحرب بالوكالة من التنظيمات الإرهابية، وتطهير مساحات شاسعة من الأرض العراقية والسورية من تنظيمي "داعش" و"النصرة" اللذين يشرفان على بلوغ النهاية، وبالتالي سقوط مشروع مخطط التقسيم والتفتيت للمنطقة.
لذلك، لم يكن الانتقال إلى ما يمكن تسميته بالخطة "ب" بإثارة نزعة الانفصال والاستثمار في العلاقة الكردية القائمة بين بعض الأحزاب الكردية وبين كيان الاحتلال الإسرائيلي، كما هو حال الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني في كردستان العراق، وإغراء الولايات المتحدة لأكراد سوريا بالانفصال عن سوريا في الشمال، وسرقة هذا المكون من المجتمع السوري تحت خديعة محاربة تنظيم "داعش" الذي تفضح صور الأقمار الصناعية والتجسسية الروسية الاندماج بين عناصر التنظيم الإرهابي وعناصر ميليشيات ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" الانفصالية وذلك برعاية قوات أميركية خاصة.
من الواضح أن الصهيو ـ أميركي يراهنان ـ من خلال عملائهما وأتباعهما في إقليم كردستان العراق وعبر فصله عن العراق ـ على بديل يسمح لهما بإعادة رسم إحداثيات السياسة الدولية في لعبة حرق الأوراق واستبدالها وفق تطورات الأحداث، وسط تصعيد سياسي ميداني واضح، سواء في العراق أو سوريا، أو من خلال ردات الفعل العراقية ـ الإيرانية ـ التركية ـ السورية؛ تصعيد يريد أن يأخذ الجميع إلى حافة الهاوية بحيث تكون الخيارات مفتوحة على احتمالات شتى، لكنه لا يخلو من إفلاس يعكس حالة العقم في المشروع الصهيو ـ أميركي بعكازيه القاعدييْنِ "داعش والنصرة" ومن معهما من التنظيمات الإرهابية المستوْلَدة.
صحيح أن إرادة الصهيو ـ أميركي بفصل كردستان عن العراق والنجاح في ذلك هو ثمرة ما سمي كذبًا وزورًا بـ"الربيع العربي"، وهو حبة العقد التي سَتكُرُّ البقية في الدول المستهدفة بالتقسيم الذي منشاره لن يقف فقط في المساحة الجغرافية التي يشغلها إقليم كردستان، حيث يبدو المخطط أن كل طائفة أو أقلية تدَّعي الظلم لها حق تقرير المصير والانفصال، والتي سيتكفل الصهيو ـ أميركي ومن معهما من القوى الغربية والعميلة بدعمها؛ لذلك سيأتي الدور على أكراد سوريا، وأكراد تركيا، وأكراد إيران، وغيرهم من الطوائف في ليبيا ومصر واليمن وغيرها. لكن ما لم يحسب الأكراد حسابه أن الدعم الصهيو ـ أميركي لهم (ظاهره وباطنه) لن يحقق أحلامهم بقدر ما سيضاعف أوجاعهم، وساعتئذ سيتبين لهم كيف أنهم مجرد أدوات استخدمها الصهيو ـ أميركي لخدمة مشروعهما التدميري والتخريبي في المنطقة، وأن دماءهم ومقدراتهم ليست سوى وقود لوسائل القتل والتدمير المستخدمة ضد أشقائهم العرب.