الكويت: أنور الجاسم
ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي العشرين، نظمت ديوانية الموسيقى في دار الآثار الإسلامية أمسية موسيقية بمناسبة مرور 200 عام على ذكرى المؤلف الموسيقي وقائد الأوركسترا الألماني ريتشارد فاجنر وذلك في مركز الميدان الثقافي.
تضمن برنامج الأمسية التى قدمها العازف البولندي بارتك رايباك وشاركته في جزء منها العازفة السورية سحر ملحم. مقطوعة لغز لفرانس ليست – ريتشارد فاجنر "موت حبيب أيسولد" ثم كلود ديبوسي – متتاليات صغيرة – إبحار موكب الحاشية - رقصة من العصر الباروكي ثم شاركت العازفة سحر ملحم رايباك في اداء سوناتا من مقام B الصغير رقم 3 مصنف رقم 53 بأربع حركات مختلفة (شوبان). وتحتفل الدار خلال هذه الأمسية بمناسبة مرور مائتي عام على رحيل الموسيقار فاغنر، من أهم مؤلفاته للأوركسترا: أنشودة زيجفريد الريفية (1870). وكتب بعض القطع للجوقة الغنائية، وأغنيات مختلفة، وبعض القطع الموسيقية للبيانو، ومن أهم مؤلفاته النظرية: في الموسيقى الألمانية (1840)، وحول قيادة الأوركسترا (1869)، والدين والفن (1880)، وحياتي (1865-1880).
يذكر أن قبل 200 عام، وتحديدا في 22 مايو 1813 ولد ريتشارد فاجنر، الموسيقار الألماني الأكثر إثارة للخلاف، وموسيقاه لاتزال حتى يومنا هذا تبهر متذوقي الموسيقى الكلاسيكية، وشخصيته لا تزال تقسم الآراء بشأنه. ورغم ربطه دائما بمدينة بايرويث حيث وصل مسار حياته إلى ذروته، فإنه ارتبط أيضا بإقليم ساكسونيا حيث ولدت أول المشاعر المرتبطة بمؤلفاته الموسيقية، وحيث كذلك تشكلت أفكاره وآراؤه. ويبدو أن فاجنر نفسه يعقّد الأمور. فنرى في شخصيته رجلا معاديا للسامية سبق هتلر في هذه الأفكار، لكنه كان أيضا مهووسا بالرغبة الخلاقة للتدمير. كتب في نشرة الثورة خلال عام 1848: أريد تدمير نظام الأشياء التي تجعل من ملايين الناس عبيدا لدى عدد قليل من الناس الذين هم من عبيد قوتهم وثرائهم الذاتي.لكن الخلاف قائم حتى حول صلاحية أعمال فاجنر الضخمة، وهذا هو في الواقع الأمر الجوهري، لأنه في كل عام يتم الاحتفال بفاجنر (بالإضافة لإدانته) في مدينة بايرويث وغيرها بطريقة مغرورة مبالغ بها أحيانا. هذا على الأقل ما يعتقده بعض النقاد الأوروبيين الذين يتساءلون: من سيكون قادرا على التمتع بتلك الساعات الطويلة من الانتاج الأوبرالي؟ ومن لديه الجرأة الكافية لتقديم أوبرا من أعمال فاغنر بضمير مرتاح وأداء رائع كما هو مطلوب دائما؟ لا شك بأن مسارح مثل هذه هي قليلة العدد، حتى في أوروبا نفسها.أما من يتجرأ على خوض هذه التجربة، فيعتمد على أسباب منطقية وواضحة: ريتشارد فاجنر لم يكن مؤلفا موسيقيا وكاتب أوبرا فحسب، بل شخصية فنية طال تأثيرها الأدب بشكل عام والفلسفة، شخصية تعكس صورة محددة للتطور الذي حدث في القرن التاسع عشر. ويرى متخصصون ونقّاد موسيقيون أنه يتم غالبا ربط شخصية فاجنر بكثير من التحيّزات المبسطة، حيث يتم تقديمه كمؤلف أوبرا طويلة تتناول الأساطير الجرمانية، أو يتم ربطه بشكل آلي بالأيديولوجية النازية بسبب استعمال موسيقاه وأعماله الأخرى من قبل النظام النازي. هذا الأمر دعا ببعض المسارح المرموقة في أوروبا لعدم الاكتفاء بعرض مؤلفاته لوحدها، بل إرفاقها بسلسلة من النشاطات الأخرى التي تضيء حياة هذا الموسيقار. لقد وضع فاجنر أسس الموسيقى الحديثة ومنه انطلقت المحاولات الحداثية. وكما كتب ناقد الموسيقى الحداثية فريدريخ هريتزفيلد، فانه نادرا ما نجد عملا فنيا فرديا يرسم طريق المستقبل بشكل بارز، ولهذا السبب أيضا قد يكون مفيدا التعرف الى موسيقى فاجنر عن كثب، رغم المعاناة الحقيقية أو المزعومة التي يمكن أن تثيرها موسيقاه أو الحيثيات المرتبطة بها في نفوسنا.
توفي ريشارد فاجنر مخلفاً إرثاً موسيقياً عظيماً يضم 12 أوبرا ودراما موسيقية جميعها مهمة، وبعض القطع الموسيقية والغنائية المختلفة، وبعض المؤلفات الأدبية.