[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
إعلان (رئاسة إقليم كردستان العراق) يوم السبت الماضي التوصل لاتفاق مع نائبي الرئيس العراقي إياد علاوي وأسامة النجيفي "حول بدء حوار بين بغداد وأربيل" لمعالجة القضايا والمشاكل السياسية بين الطرفين، هل يعني أن مسعود البرزاني رئيس الإقليم بدأ يبحث عن سلم للنزول من فوق الشجرة؟ أم أن الاستفتاء كان برمته هو محاولة من البرزاني لابتزاز بغداد؟ أم ليتظاهر بأنه منفتح على الحوار مع إضمار النية بالانفصال والسير وراء ركاب الصهيو ـ أميركي نحو مخطط التفتيت؟
من المؤكد أن مسعود البرزاني حين أقدم على خطوة الاستفتاء إنما كان يهدف إلى الانفصال عن العراق معتقدًا أن الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي وحدهما القادران على إسناده لهذه الخطوة حتى النهاية، بالنظر إلى علاقات التحالف والتبعية دوليًّا وإقليميًّا، ولم يُعِر اهتمامًا لمواقف دول الجوار ولا حتى موقف الحكومة المركزية في بغداد، ولم يلقِ بالًا لطبيعة الأحداث الحاصلة في العراق وسوريا والمنطقة عمومًا، على خلفية انشغال العراق وسوريا وإيران وروسيا تحديدًا بمحاربة الإرهاب، بل حاول استثمار هذا الانشغال في ذروته في تحقيق الأحلام "التلمودية" في تل أبيب، والتحرك نحو اغتصاب مدينة كركوك؛ لكونها أحد خزانات الثروة النفطية التي ستؤمِّن للإقليم في حال انفصاله السيولة المادية والمحروقات التي تحتاجها الحياة اليومية للشعب الكردي.
إن العبث بالجغرافيا العراقية وتحديدًا في الشمال حيث الإقليم الكردستاني، هو استهداف مباشر وواضح موجَّه ضد كل من العراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية وتركيا وسوريا، لُجِئَ إلى هذا المخطط العابث بعد الفشل الذريع لمشروع نشر تنظيم "داعش" وتمدده في الجغرافيا العراقية والسورية الذي كان الهدف منه استنزاف هذين البلدين ووضع مصيدة لحلفائهما من أجل استنزاف طويل الأمد يؤدي إلى نتائج كارثية، سواء بسقوط العاصمتين بغداد ودمشق أو حالة شلل اقتصادي لحلفائهما أسهمت فيها أيضًا العقوبات الاقتصادية وضرب أسعار النفط عالميًّا لإنهاك الاقتصادين الإيراني والروسي.
غير أن التماسك الذي أبداه الحلفاء المستهدَفون بالإرهاب "الداعشي" شكل مفاجأة، ووجَّه ضربة قاصمة لهذا المشروع وللواقفين وراءه، بل إن الذكاء العسكري مع التلاحم والاستبسال الذي أبدوه لفت الانتباه ولا يزال، فأعطى انطباعات قوية لدى المتأبطين للإرهاب "الداعشي" بأنه ليس بمقدوره تحقيق مخطط العبث بالجغرافيا بما يمهد لإعادة رسم خريطتها، وأن هزيمة نكراء تنتظرهم في نهاية المطاف، ما دفعهم إلى الانتقال إلى الخطة البديلة للعبث بالجغرافيا وهي فصل إقليم كردستان العراق، حيث مسعود البرزاني ينتظر الإشارة منهم للسير بهم جميعًا إلى المستقبل المجهول، وفي رده على المناشدات بتأجيل الاستفتاء كان يرد رد الواثق من خطوته بقوله "الأمر خرج من يدي".
تدرك الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن التحرك الصهيو ـ أميركي نحو إقليم كردستان وفصله عن الوطن العراقي الأُم هو لتعويض الخسارة والفشل في مشروع مد أذرع الإرهاب القاعدي "الداعشي"، وأن الهدف هو مواصلة استنزافها عبر المكون الكردي، وتوظيف الجغرافيا التي يعيش عليها الأكراد منطلقًا للتجسس والاستهداف، حيث ستكون القواعد العسكرية والتجسسية الصهيو ـ أميركية في كردستان أمام أبواب إيران. بينما فهمت أنقرة بدورها أن النزعة الانفصالية لدى أكراد العراق ستعزز النزعة لدى أشقائهم في تركيا، وكذلك سوريا هي الأخرى التي تعد في قلب عاصفة مخطط التقسيم والتدمير. فقد وجهت كل من طهران وأنقرة رسالة واضحة للمنفصلين وللواقفين وراءهم على لسان الرئيس حسن روحاني ونظيره رجب طيب أردوغان بأن إيران وتركيا ترفضان تغيير الحدود الجغرافية في العراق، وأن القرارات الخاطئة لقادة كردستان العراق اضطرت العراق وتركيا وإيران لاتخاذ إجراءات جديدة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة، وأن استفتاء شمال العراق غير مشروع وسيتم اتخاذ خطوات أقوى للرد عليه، وأن "إسرائيل" هي الدولة الوحيدة التي تدعم هذا الاستفتاء. أما رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي فقد حذر من جانبه إقليم شمال العراق من حشد قواته المسلحة المعروفة باسم "البشمرجة" في محافظة كركوك المتنازع عليها. ودعا العبادي إلى إدارة مشتركة بين الحكومة العراقية والإقليم للمناطق المتنازع عليها بشرط أن تكون القيادة للحكومة الاتحادية في بغداد.
وفي ظل ما اتخذته بغداد من إجراءات ضد إقليم كردستان العراق كحظر الرحلات الجوية، والطلب من طهران وأنقرة غلق المنافذ مع الإقليم، ومع ما يمكن أن تتخذه طهران وأنقرة من خطوات تصعيدية منتظرة ـ رغم أن هناك تشكيكًا في جدية الموقف التركي ـ فإنه من المؤكد أن نزوع مسعود البرزاني إلى تحويل إقليم كردستان إلى إمارة عائلية لعشيرة البرزاني لن يقطف ثماره كما خطط له، لذلك استعداده ـ وفق البيان الصادر بُعيْد لقائه مع نائبي الرئيس العراقي ـ لبحث "الوضع الراهن في العراق، وكيفية معالجة القضايا والمشاكل المتعلقة بالساحة السياسية، واتفاقهم على بدء حوار واجتماعات بين الأطراف السياسية الأساسية في العراق بجدول أعمال مفتوح لتهدئة الأوضاع". يمكن أن يمثل هذا اللقاء مخرجًا للأزمة، ولو مؤقتًا، بل فرصة ملائمة، ويمكن أن يوفر سلمًا للبرزاني إن أراد النزول فعلًا من فوق.

[email protected]