التقرير الذي أصدره مجلس التعليم حول ندوة "التعليم والتوجهات التنموية وفرص التوظيف الحالية والمستقبلية في سوق العمل" والتي عقدت في شهر مايو من هذا العام، لا يأتي في إطار التوثيق العلمي والمعرفي والخبراتي الذي تمثل في أوراق العمل البالغ عددها إحدى وعشرين ورقة مقدمة في الندوة باعتبارها معينًا وموجهًا في هذا الجانب فحسب، وإنما يمكن أن تمثل نبراسًا للمخططين الاقتصاديين والتربويين في السلطنة والاستفادة القصوى مما تضمنته الأوراق. ذلك أن هذه الندوة أخذت أهميتها كحدث شهدته السلطنة من خلال العناوين المهمة التي تناولتها والأهداف التي سعت إليها، حيث هدفت الندوة إلى التعرف على التوجهات العالمية للثورة الصناعية الرابعة وانعكاساتها على التعليم وسوق العمل، وبيان واقع الاقتصاد العماني وتوجهاته المستقبلية وانعكاس ذلك على التعليم والتوظيف، فضلًا عن التعرف على نتائج المشروع الوطني لمواءمة مخرجات التعليم العالي مع احتياجات سوق العمل، بالإضافة إلى الخروج بمرئيات واضحة ومحددة بشأن مجالات ونوعية البرامج والتخصصات المطلوبة لسوق العمل وآليات رصد الاحتياجات المستقبلية من الوظائف والمهن في مختلف القطاعات التنموية.
على أن الأهم في عملية التوثيق هذه هو تلك التوصيات المنبثقة عن حلقات العمل النقاشية التحضيرية، فضلًا عن التوصيات المنبثقة عن المشروع الوطني لمواءمة مخرجات التعليم العالي مع احتياجات سوق العمل، أولًا لجهة أن نتائجها تناولت حسب التصنيف خمسة مجالات تضمنت التعليم، والتشغيل، والاقتصاد، والإعلام والتوعية المجتمعية، وكذلك الهيكلية والحوكمة، وهذه المجالات الخمسة هي من الأهمية بمكان من حيث عمق نظرتها إلى الواقع الفعلي للاحتياجات الحالية والمستقبلية والتحديات التي يمر بها الاقتصاد الوطني وعمليات الاستيعاب للمخرجات التعليمية، وثانيًا لجهة إقرار مجلس التعليم لهذه التوصيات في اجتماعه الثالث المنعقد في سبتمبر 2017م لا سيما التوصيات المتعلقة بالمجال التعليمي والخطة التنفيذية لها ومتابعة تنفيذها من قبل الأمانة العامة، ومن شأن تنفيذ هذه التوصيات أن يعطي نتائجه المتوخاة ويحقق الأهداف الوطنية من ورائها، خاصة وأنها خضعت لمراجعة وتدقيق من عدة جهات شملت المشاركين في الندوة، والفريق الفني، وفريق أكاديمي من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس، وكذلك فريق وزاري من مجلس التعليم، على أمل أن يتم إحالة التوصيات الأخرى إلى جهات الاختصاص.
إن اتجاه مجلس التعليم أو أي جهة أخرى نحو توثيق مثل هذه الندوات والعمل بتوصياتها اتجاه في مساره الصحيح، بدل أن تمر هذه الندوات كحدث وتلقى بأوراقها وتوصياتها في الأرشيف ليتراكم عليها التراب، وتذهب مع الزمن أدراج النسيان، لتتجه النظرة مرة أخرى إلى عقد ندوة مماثلة جديدة وتأخذ أيضًا قسطها من الوقت والجهد والتكاليف وهكذا دواليك.
إن النظرة إلى قيمة الندوات العلمية ـ التي تهدف إلى معالجة قضايانا الملحة وبصورة عاجلة ـ يجب أن ترتقي إلى مستوى تحديات الواقع التي تتسارع يومًا بعد يوم وتتراكم، فالتعليم لا يزال هو القاطرة الأقوى لقيادة البشرية نحو سبل التغلب على الآفات الأخرى التي تتربص بحاضرنا ومستقبلنا، فالتعليم هو الطريق الأفضل نحو العلم والعلوم والأبحاث؛ لذلك يجب أن يقترن التوثيق والتنفيذ لما يسكب تحت قباب الندوات من خبرات وأفكار وتوصيات.