في الشأن الفلسطيني تتجه الأنظار هذه الأيام إلى العاصمة المصرية (القاهرة)، حيث بدأ وفدا حركتي فتح وحماس أولى جلسات الحوار لمناقشة عديد القضايا وصولًا لإنهاء الانقسام وإتمام الوحدة الوطنية. وتعد هذه القضايا مفصلية بالنظر إلى الاعتبارات والظروف التي أحاطت الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني وأدت إليه، وكذلك إلى الشروط والمطالب لكيان الاحتلال الإسرائيلي ومن ورائه حلفاؤه الاستراتيجيون وغير الاستراتيجيين والتي تهدف إلى إنهاء حالة المقاومة وقتل النَّفَس المقاوم لدى الفلسطينيين، ووضعهم في الحلقة التي صنعها وفرضها عليهم الإسرائيليون وحلفاؤهم وأتباعهم، ألا وهي حلقة التفاوض المفرغة وحدها، مع انتفاء بل واختفاء أي خيارات يملكها الفلسطينيون غير الدوران في حلقة التفاوض.
أمر جيد ومحمود، بل ومطلوب من قبل الشعب الفلسطيني أن تنتهي حالة الانقسام التي أحدثت شرخًا عموديًّا بين مكونات الشعب الفلسطيني، وأضرت قضيته على النحو الذي يراه الجميع. فانقسام رفاق السلاح والنضال ليس بحاجة إلى أدلة تتضافر على ما تركه من عواقب وخيمة، سواء على الشعب الفلسطيني أو على مستوى مستقبل قضيته، وجميل أن يعترف المنقسمون بأن انقسامهم هو "انقسام أسود"، لما جره على واقع قضيتهم، وترك الحبل على الغارب لعدوهم الإسرائيلي ليعيث في أرضهم فسادًا، ويعبث بدمائهم وبأرواحهم، واستقرارهم، وينكد عليهم عيشهم، وينغص حياتهم. والأجمل أن يستفيق الفلسطينيون المنقسمون ونعني بهم تحديدًا (حركتي فتح وحماس) من غفوتهم، وينتهبوا أنهم وقضيتهم على حافة التصفية التي يعمل عليها عدوهم المحتل الإسرائيلي، لذلك فإن حالة الإجماع لدى الحركتين بضرورة إنهاء الانقسام الذي وصفوه أنفسهم بـ"الأسود" أن لا تتغير يومًا، وأن تكون نابعة عن قناعة ثابتة وثقافة راسخة، وأن تكون أحد الثوابت الوطنية التي لا تقبل المساس والاقتراب، ذلك أنه بالعودة إلى الانقسام أو حتى مجرد التفكير فيه إنما يعني الإصرار على الإساءة إلى كل الشهداء الذين قدموا دماءهم وأنفسهم وأموالهم رخيصة في سبيل قضيتهم ووطنهم فلسطين، والإصرار على تمكين العدو الإسرائيلي مما تبقى من فتات من حقوق الشعب الفلسطيني.
وما يدعونا إلى التشديد على ذلك هو تلك العناوين التي يحملها الجانبان في الحركتين (فتح وحماس)، من بينها تمكين الحكومة من العمل بحرية مطلقة (وفقًا للقانون، ومرجعية اتفاق القاهرة الموقع في العام 2011، والوصول إلى حل وآليات واضحة لتنفيذ الاتفاق والوصول إلى سلطة واحدة بصلاحيات كاملة دون انتقاص.. حسب وفد حركة فتح)، بالإضافة إلى بحث ملفات الانتخابات والقضاء والأمن ومنظمة التحرير والرؤية السياسية وكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وقرار السلم والحرب وشكل المقاومة، (وهنا يمثل سلاح المقاومة في قطاع غزة مسألة مفصلية وحساسة، لجهة أن حركة حماس وعلى لسان عدد من قياداتها تؤكد أن سلاح المقاومة ليس محل نقاش من حيث التخلي عنه أو وضعه في يد حكومة الوفاق الوطني).
لذلك تشي محادثات القاهرة بأنها ستكون صعبة المخاض، إلا إذا أعلنت حركة حماس تنازلها أمام المطالب المعروضة على طاولة التفاوض والتي ذكرناها، وخاصة ما يتعلق بسلاح المقاومة، ومن هنا وبالنظر إلى تلك العناوين مجتمعة لا يريد الشعب الفلسطيني تكرارًا أو إعادة استنساخ لما سبق من اتفاقات كـ"اتفاق مكة" و"اتفاق صنعاء"، لا سيما وأن الشيطان الإسرائيلي حاضر بل يصر على أن يبقى في قلب التفاصيل.