تحرص السلطنة دائمًا على تقديم إشاراتها العميقة في رسالتها الحضارية والتنموية والإنسانية مع المجتمع الدولي انطلاقًا من التزامها وإرثها الأخلاقي والحضاري والإنساني الذي يتسم بالتسامح والتعايش وحب الآخر والحوار، وفي جوهره بناء الإنسان والحفاظ على حقوقه، ومن التزامها الرصين على مشاركة العالم الهموم التي ترخي سدولها جراء ما يعتور العديد من دوله من قضايا تحتاج إلى معالجات عاجلة.
ولأن السلطنة واعية تمامًا لدورها الحتمي في العمل مع المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية من أجل إحداث تطور عملي في منظومة الأداء الجماعي وللوصول بجهد مشترك إلى نتائج مفيدة لنا وللبشرية جمعاء من حولنا، لم تتوقف لحظة عن مواصلة مساعيها في هذا الشأن، فما فتئت السلطنة تؤكد ضرورة تعزيز قيم الحوار والتفاهم والتنوع لبناء مجتمعات سلمية ومستدامة ومتناسقة.
وفي كلمة السلطنة أمام الدورة الـ202 للمجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" والتي ألقتها سعادة السفيرة الدكتورة سميرة بنت محمد الموسى المندوبة الدائمة للسلطنة لدى المنظمة والمنعقدة حاليًّا بمقر اليونسكو بباريس، مثلت في مضمونها جوهر النهج الإنساني والحضاري الذي رسمت النهضة المباركة معالمه للتعاطي العماني مع قضايا وهموم البشرية والقائم على مبدأ التسامح وتوطيد أواصر المحبة، والتفاهم والتعاون بين الشعوب، وإرساء دعائم السلام، وأهمية القيادة والحاجة إلى المساءلة، والالتزام المشترك نحو قضايا التنمية المستدامة، خاصة وأن المنظمة في هذه المرحلة الهامة على ملتقى طرق، وأن القرارات التي يتم اتخاذها في هذه الدورة ستمهد الطريق نحو تبني حلول وقرارات خلال انعقاد الدورة المقبلة للمؤتمر العام والتي من شأنها التأثير على مستقبل العمل في المنظمة.
وتأخذ مضامين رسالة السلطنة أمام اليونسكو أبعادها الإنسانية والأخلاقية، وتكتسب مزيدًا من الأهمية، بالنظر إلى ما يشهده العالم اليوم من أزمات طاحنة ـ أغلبها مفتعل ـ أطاحت بمقدرات الشعوب، وأساءت بصورة خطيرة إلى الروابط الإنسانية والاجتماعية، وأحدثت شرخًا عميقًا بين مكونات المجتمع الواحد، فغرزت فيه عميقًا أنياب قضايا تصاعد العنف والكراهية المروعة والفقر والجوع والمرض، والتعصب الأعمى الذي أساسه الجهل، والتحيزات والتحزبات الطائفية والمذهبية التي يتم حشوها في عقول لم تكن مدربة على التفكير النقدي، لذلك ومن هنا تدق السلطنة ناقوس الخطر، مسدية نصيحتها المخلصة عبر رسالتها الصادقة "بأهمية تعزيز مبادئ اليونسكو الأساسية المتمثلة في التعليم الجيد لكافة فئات المجتمع، وعلى قيمِ الحوار والتفاهم والتنوع والإدماج لأنها ضرورية لبناء مجتمعات سلمية ومستدامة ومتناسقة، إذ تتحمل منظمة اليونسكو مسؤولية ضمان تعزيز هذه القيم وتنفيذها وإدامتها، ويجب أن تشمل هذه القيم أيضًا الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد وثقافة التقييم، وقبل كل شيء، معايير أخلاقية قوية، وينبغي أن تكون هذه المبادئ معيارًا مشتركًا، تجسده المنظمة بأسرها على كافة مستوياتها، لأنه ليس بإمكان أحد تجاوز هذه القيم".
صحيح أن انعكاسات التحولات الدولية قد ألقت بانعكاسات سلبية على العالم عامة وعلى المنطقة العربية خاصة، لكن في إيمان السلطنة ورسالتها الحضارية، وإرثها الإنساني المفعم بروح المحبة والتآخي والتعايش والتسامح والحوار والتواصل وتبادل المنافع والمعارف والثقافات، أن ليس هناك ما يثنينا عن مواصلة العمل وتضافر الجهود مع المجتمع الدولي ومنظماته ومؤسساته لخدمة الإنسانية والتنمية المستدامة والأمن والسلم الدوليين، هذه هي رسالة السلطنة الأخلاقية، وهذا هو نهجها الحكيم الذي لن تحيد عنه بإذن الله.