[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” هذه الملاحظات والاستفسارات والرؤى التي تطرح تهدف إلى وضع مشكلة الباحثين عن عمل في موضعها الصحيح، والاستفادة من دروس وتجارب المرحلة والتفكير في حلول سليمة ومعالجات طويلة الأمد لمشكلة عويصة، كي لا تتناسل عن الحلول الموضوعة لمعالجة المشكلة الرئيسية مشكلات جديدة . فملف الباحثين عن عمل لا يحتمل الأخطاء والتجاهل وتداخل المصالح والعلاجات المسكنة والبيانات المهدئة والشعارات المسكنة لبعض من الوقت، ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
في لفتة أبوية إنسانية لم ينتظرها المواطن العماني طويلا، وضمن مكرمة أخرى جديدة تنضم إلى سلسلة مكرمات سلطان البلاد - حفظه الله ورعاه - المتواصلة، فقد اصدر مجلس الوزراء في الثالث من سبتمبر بيانا قال فيه، بأنه و(ترجمة للحرص المتواصل الذي يوليه جلالة السلطان المعظم / حفظه الله ورعاه / لرعاية الشباب العماني فقد قرر مجلس الوزراء توفير فرص عمل للقوى العاملة الوطنية لعدد (25000) خمسة وعشرين ألف باحث عن عمل كمرحلة أولى في مؤسسات الدولة العامة والخاصة وسيتم البدء في تطبيق هذه الخطوة اعتبارا من شهر ديسمبر القادم)، وأكد مجلس الوزراء بانه أقر( الخطوات التنفيذية التي سيتم تطبيقها بالتزامن مع هذا الجانب لتهيئة الظروف المناسبة التي ستمكن الحكومة من الاستمرار في استيعاب المزيد من الباحثين عن العمل وفق الخطط والبرامج الرامية إلى تحقيق ذلك)، وأضاف البيان بانه (يشيد بتفهم جميع المواطنين للتحديات الراهنة ويدعو جميع المؤسسات الخاصة إلى المبادرة وتحمل مسؤولياتها الوطنية في مجال التشغيل وتوفير بيئة العمل الجاذبة للعمانيين وإيلاء التعمين والإحلال الأولوية القصوى في برامجها ومشاريعها علما بأن هناك إجراءات سوف تتخذ تجاه من لا يتعاون مع جهود الحكومة في مساعيها الرامية لدعم سياسات التشغيل والتعمين) . وكون انني احد المتابعين للشأن الوطني بكل تفاصيله وتجلياته، ولملف الباحثين عن عمل بالأخص، وكتبت عنه عشرات المقالات ونبهت - والعشرات من اخواني الكتاب - على خطورته من مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية، وقدمت العديد من التصورات والرؤى والأفكار التي من شأنها معالجة الملف على المديين المتوسط والطويل، بل وشاركت في إعداد بعض الدراسات المهمة التي رفعت من قبل مجلس الشورى الى المقام السامي ومجلس الوزراء حول موضوع الباحثين عن عمل .. فقد تزاحمت على إثر إعلان بيان مجلس الوزراء عشرات الاسئلة التي تتطلب إجابات لم تتضح للأسف في محاور البيان، الذي نتمنى أن لا يكون بيانا إنشائيا خاليا من آليات العمل، ومن دراسة دقيقة تتوخى الوقاية من أية آثار تترتب على تنفيذه، على سياسات تنويع مصادر الدخل والجهود المبذولة لجذب الاستثمارات الأجنبية وتنشيط القطاعات الاقتصادية المتعددة، ومعالجة أو تقليص العجوزات المالية الناتجة عن تراجعات أسعار النفط .. أسئلة يفرضها الخوف والقلق من أن تعترض مرحلة التنفيذ معوقات وصعوبات وتحديات تؤخر عملية التوظيف فتكون الآثار كارثية على الباحثين عن عمل والصدمة عنيفة، والاحباط قد يبلغ منتهاه. فالبيان أشار إلى أن إجراءات التوظيف سوف تبدأ في ديسمبر، بدون أن يوضح نهاية اكتمال خطة توظيف ال (25000) ألف باحث عن عمل ؟ وما هي آليات العمل المرافقة لمراحل التنفيذ ؟ والجهة التي ستتولى وتشرف على عمليات التوظيف ؟ وكيف ستتم عملية توزيع الفرص على الباحثين الذين ينتمون إلى مستويات دراسية متعددة وإلى تخصصات وخبرات مختلفة، وبعضهم أكمل دراسته قريبا وبعضهم مرت عليه سنوات باحثا ومنتظرا الوظيفة ؟ وما هي المعايير والأسس التي سيتم الأخذ بها عند الاختيار؟ وكيف سيتم ضمان عدم استقالة بعض العمانيين العاملين في القطاع الخاص وتسجيل أسمائهم ضمن الباحثين عن العمل للمنافسة على الفرص الوظيفية في القطاع الحكومي ؟ ما هي الإجراءات والحلول الموضوعة للتعامل مع من سيتبقى من مخرجات يفترض أنها لن تحصل على نصيبها من التوظيف إذا ما أخذنا عدد الوظائف المعلن عنها مع عدد الباحثين مضافا إليهم مخرجات العام الحالي والأعوام القادمة ؟ وما هي الآثار المتوقعة التي قد تترتب عن حصاد الإناث للنسبة الأكبر من الوظائف ؟ وكيف ستتم معالجة أصحاب العقود المؤقتة الذين يعملون بها منذ سنوات ومحرومون من الكثير من الامتيازات، العلاوة السنوية، الترقيات، ضعف الرواتب، ومسجلون في سجل القوى العاملة تحت خانة (يعمل؟) ما هو شكل (الإجراءات التي ستتخذ تجاه من لا يتعاون مع جهود الحكومة في مساعيها الرامية لدعم سياسات التشغيل والتعمين)، وما هي الأطراف التي ستطبق عليها ؟ وكيف سيتم التعامل مع من يرفض الوظيفة المعروضة عليه من الباحثين بحجة أنها لا تليق به أو بمؤهله أو مكانته الاجتماعية ؟ هل نفترض بأن البيان صدر بعد دراسة معمقة تتضمن آليات ومراحل التنفيذ، مع الأخذ في الحسبان الملاحظات المشار إليها أعلاه ؟ ام أن كل تلك الاجراءات والخطوات والآليات ستكون بعد البيان؟ هل سيتم البدء بالاستغناء عن عدد من الاجانب خاصة في وزارتي التعليم والصحة وبعض الوزارات والجهات الاخرى من فنيين ومستشارين ومهندسين ومعلمين وأطباء وصيادلة...الخ، وتشجيع عدد ممن أمضوا سنوات في العمل على التقاعد، وإحلالهم بعمانيين، وسيتم توظيف دفعة اخرى في الشرطة والدفاع والأمن بالنسبة للقطاع الحكومي ؟ وهل سيطلب من الشركات والمؤسسات تعمين عدد من المهن والاعمال خاصة الفنية والهندسية والصيدلة والطب وفي وكالات السيارات وغيرها، في القطاع الخاص؟ هل ستتضمن الآليات تطبيق مبادئ المساواة والعدالة والقانون لضمان أن لا تشوب إجراءات التوظيف شائبة المحسوبية والواسطة والعلاقات؟ بمعنى هل ستذهب الوظائف لمستحقيها الحقيقيين؟ هل سيتم الأخذ في الاعتبار عند التوظيف الحاجة الفعلية لكل جهة حكومية وتوزيع المعينين في المواقع التي تحتاج إليهم بشدة وبما يعزز الكادر الوظيفي وكفاءة العمل الحكومي ويؤدي إلى التوازن ؟ وفي المؤسسات الخاصة هل ستراعى الآليات بأن لا يكون التوظيف مجرد ارقام تضاف إلى العدد المعين وفي وظائف هامشية، وإنما إحلال حقيقي يراعي قدرات وتخصصات وامكانات المواطن وفي مواقع سيمتلك فيها سلطة اتخاذ القرار ؟ هل سيخضع المعينون لتدريب مدروس يراعي إعداد العماني إعدادا يمكنه من المنافسة والقيام بمهام وظيفته بكفاءة عالية والقدرة على العمل في الظروف الضاغطة وييسر له طريق الترقي والتطور وتحمل مسئولية الوظيفة الاعلى ؟ الم يحن الأوان لإجراء اصلاحات شاملة في مؤسسات التعليم والتأهيل ومناهجه ووسائله وترسيخ قيم العمل وثقافته والتشجيع على الأعمال الحرة في فكر الأبناء وتعزيز وعيهم بمفاهيم الوظيفة وواجباتها وذلك بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل وتغيراته ليس على مستوى السلطنة ولكن على مستوى العالم المتقدم الذي ألغت الطفرة العلمية والتقنية العديد من التخصصات والمهن من قائمة احتياجات سوقه؟ ألم يأن الأوان أن توحد جميع الصناديق والهيئات والمؤسسات والجهود المقرضة والداعمة والمشرفة على صناعة رواد الأعمال ودعم الشباب وتنمية المؤسسات الصغيرة والكبيرة ... تحت مظلة واحدة بما في ذلك ملف الباحثين عن عمل ؟ هل لدينا إحصائية شاملة ودقيقة للأعداد الفعلية للباحثين عن عمل وفقا لمؤهلاتهم وأعمارهم واحتياجاتهم الحقيقية للوظيفة؟
اطرح كل هذه الأسئلة المتدفقة، وما أزال استعيد عام ٢٠١١ عندما صدرت الأوامر السامية بتوظيف 50 ألف من الباحثين عن عمل، وما حدث من أخطاء ورافقها من ملاحظات وتساؤلات خلال تنفيذ التوجيهات السامية، فهل أخذت في الاعتبار دروس تلك المرحلة وتم أو سيتم الاستفادة منها ؟ .
عندما صدر إعلان وزارة الخدمة المدنية في 2011م، تنفيذا للأوامر السامية، بإلحاق المرشحين للتعيين بوحدات الجهاز الإداري للدولة، أثار وقتها - الاعلان - ملاحظات واحتجاجات واستفسارات وتخوفات من جميع الأطراف، الحاصل على الوظيفة ومن لم يحصل عليها، المؤسسة الملحق بها الموظف مسئوليها وموظفيها، المتابعين والمهتمين ... من منطلق أن تطبيق الأوامر السامية يتطلب تنفيذها وكما هو مفترض أسسا وآليات واضحة تهدف إلى : تقليص أية آثار سلبية تترتب على إجراءات التنفيذ وتغليب وتعظيم المنافع التي تخدم الأطراف جميعها، الملحق بالعمل والمؤسسة والوظيفة، خاصة وأننا أمام ملف غاية في
الحساسية ولا يحتمل الأخطاء - العمل على إيجاد وظائف حقيقية وشاغرة تتناسب والتخصصات العلمية والاستفادة من الكفاءات والقدرات المعطلة، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب اعتمادا على بيانات ومؤشرات دقيقة وتنسيق مسبق مع الوحدات والمؤسسات الحكومية للتعرف على احتياجاتها الفعلية من الموظفين في مختلف التخصصات العلمية والفنية وغيرها وتوزيع المسجلين وفقا لتلك البيانات والمؤشرات، فالعمل قيمة ويحرص الإنسان على الانتماء إلى فئة العاملين والمنتجين، ومكسب تقابله مسئوليات كبيرة وحقوق وواجبات متبادلة، وما يحصل عليه الموظف من امتيازات وأجر مادي يكون مقابل إنتاج ملموس يقدمه، هذا إلى جانب ما تتطلبه الوظيفة من أمانة وإخلاص وجدية وسعي إلى تحقيق التطوير ومضاعفة العطاء .. والحصول على الوظيفة بمنتهى السهولة والمرونة واليسر وكأنها متوفرة لكل من يريدها أيا كان مستواه وكفاءته وبدون اختبار أو مقابلة أو تقييم ترصد المستوى الحقيقي للمتقدم من حيث مهاراته، سلوكه، مستواه العلمي، جديته، والتوزيع العشوائي الذي لا ترافقه خطوات وآليات ملموسة تشعر الموظف بقيمة الوظيفة ومسئولياتها سوف تضعف من قيم العمل وتجرده من مكانته الحقيقية، وتفقد الوظيفة أهميتها، وتزيد مؤسساتنا تراجعا وضعفا أكثر في الأداء، كما أن الكثير من المخرجات مضى عليها سنوات من البحث والانتظار، ومنهم من خرج من القطاع الخاص للحصول على وظيفة في القطاع الحكومي، ومن الباحثات من فضلن الزواج والإنجاب وبناء أسرة تفرغن لها وتعايشن مع واقع أنهن ربات بيوت يقمن بمهام ومسئوليات لا تقل عن مسئوليات ومهام الوظيفة .
هذه الملاحظات والاستفسارات والرؤى التي تطرح تهدف إلى وضع مشكلة الباحثين عن عمل في موضعها الصحيح، والاستفادة من دروس وتجارب المرحلة والتفكير في حلول سليمة ومعالجات طويلة الأمد لمشكلة عويصة، كي لا تتناسل عن الحلول الموضوعة لمعالجة المشكلة الرئيسية مشكلات جديدة . فملف الباحثين عن عمل لا يحتمل الاخطاء والتجاهل وتداخل المصالح والعلاجات المسكنة والبيانات المهدئة والشعارات المسكتة لبعض من الوقت، ولا تكفي القرارات والخطوات التي من شأنها معالجة المشكلة على المدى القريب او في الحاضر، فمؤسسات التعليم بمختلف مستوياتها ودرجاتها المحلية والخارجية تقدم لسوق العمل آلاف المخرجات التي تتطلب خططا وبرامج وآليات وقرارات ورؤى بعيدة المدى قادرة على امتصاص اكبر عدد من الباحثين عن عمل ولن يتأتى ذلك الا بخلق اقتصاد نامي متعدد الموارد وسوق نشط وبيئة جاذبة للاستثمارات داعمة لنمو شركات ومؤسسات القطاع الخاص محفزة على صناعة رواد الأعمال وعلى تحريك وتنشيط جميع القطاعات الاقتصادية والثقافية والرياضية وغيرها وتعزيز نسبة مساهمتها في القطاع الخاص .

[email protected]