يعتمد تفعيل وتنشيط السياحة في دولة ما على ما تستطيع تقديمه من منتجات سياحية متنوعة، تكون لها شخصيتها الفريدة التي غالبًا ما تقوم على العنصر التراثي المميز لها، بحيث تكون منتجاتها السياحية تحمل عبقًا مختلفًا يتفرد بتقديم ما لا يمكن تقديمه في غيرها من الدول، فالخصوصية أحد أهم مميزات التسويق السياحي الجديد الذي يسعى لمخاطبة السائحين حول العالم بأن هنا وهنا فقط ستجدون هذه التجربة الفريدة. فبالرغم من أنها أضحت إحدى أكبر الصناعات نموًّا في الاقتصاد العالمي، إلا أن هذا النمو يحمل تحديات كبيرة في ظل التنافس الشديد، ويحمل العاملين عليها في البلدان المختلفة عبء التحرك السريع لاجتذاب أكبر حصة من حصص السياحة العالمية.
فالسياحة في العقود الأخيرة تحولت من مجرد خدمات تقدم للزائرين إلى صناعة حقيقية، يقوم عليها قطاع واعد يرفد العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى، فوجهة إنفاق السائح تتعدد وتشمل العديد من القطاعات، سواء كانت تجارية أو عقارية أو حرفية أو زراعية أو صناعية.. الخ، كما أنها أحد أهم القطاعات التي توفر فرص عمل حقيقية، وترتبط بالعديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تصنع الفارق الاقتصادي، لدرجة جعلت بعض البلدان في المعمورة يعتمد اقتصادها عمومًا على تلك الصناعة دون غيرها، وتكون هي إحدى أهم بوابات التنمية المستدامة، حيث تسعى تلك الدول لإقامة بنية أساسية سياحية واعدة تخدم تلك الصناعة بمنتجاتها المتعددة والقطاعات الأخرى المرتبطة بها.
وفي النموذج العماني الذي يملك مقومات سياحية واعدة تتسم بالتميز، وتتفرد ببعد تراثي تليد، حافظت عليه السلطنة، بجانب ما حباها الله من جمال طبيعي وبيئي خلاب، بالإضافة إلى نهضة مباركة راعت وحافظت وفق الفكر السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على القيم التراثية، وأخذت منها كل صالح، وكان التمسك بالهوية العمانية أحد أهم ملامح تلك النهضة المباركة، في مزج قلما تجده بين الحداثة في مضمونها التطويري، والتمسك بالقيم والعادات والتقاليد والتراث السائد في السلطنة منذ قرون مضت.
لا تزال البلاد تخطو في مراحلها الأولى لبناء بنية أساسية سياحية مستدامة، تحافظ على التراث والبيئة العمانية البكر، وتسعى إلى تحويل تلك المفردات لمنتجات تجذب حصة حقيقية من سوق السياحة العالمية، معتمدة في سبيل ذلك على استراتيجية سياحية طموحة أعلنت عنها وزارة السياحة، تهدف إلى أن تكون السلطنة قبلة سياحية عالمية، لتنطلق بالتراث المحلي كمنتج يتذوقه العالم، ويراه مختلفًا، يجعله يعيش تجربة يسعى إلى تكرارها دومًا، لما تتميز به البلاد من استقرار وأمن وأمان، يندر وجودهما في عالم مليء بالصراعات، وطغى عليها التطور الذي أفقده تاريخه.
ومن أبرز الخطوات التي يتخذها القائمون على إدارة قطاع السياحة في البلاد، تلك المنافسة التي طرحت للمستثمرين حول مشروع استثماري سياحي يحاكي الأسواق العمانية القديمة والحارات التقليدية بولاية السيب،
ويتكون من مطاعم ومقاهٍ ومحلات تجارية، ويقام في ولاية السيب وفق نظام حق الانتفاع لمدة 50 عامًا قابلة للتجديد، حيث سيتم اختيار المشروع الفائز وفق المعايير والشروط التي تتضمن أفضل تصور معماري، ليكون المشروع تعبيرًا عما تزخر به السلطنة من فنون معمارية فريدة تتوزع في ربوعها وتتجسد في قلاعها وحصونها وأسواقها التقليدية القديمة وحاراتها بأزقتها وأسواقها المتباينة من محافظة إلى أخرى ومتناغمة مع بيئتها، فتبهر هذه المعالم الزائر وتسرد له قصة نجاح العماني في تعامله مع الطبيعة وتكيفه معها.