الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد: اليوم أيها القراء الكرام نكمل ما بدأناه مع سورة القيامة وهي سورة مكية ، وهي تسع وثلاثون آية تتناول بعث الناس وحسابهم، وعن القيامة وأهوالها، ثم طمأنت الرسول (صلى الله عليه وسلم) على جمع القرآن فى صدره، ووجَّهت الردع إلى مَن يحبون العاجلة ويذرون الآخرة، ووازنت بين وجوه المؤمنين الناضرة، ووجوه الكافرين الباسرة، وتحدثت كذلك عن حال المحتضر، وما كان من تقصيره فى الواجبات حتى كأنه يظن أن لا حساب عليه، وختمت بالأدلة التى توجب الإيمان بالبعث، نسأل الله سبحانه أن يجعل القران الكريم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وذهاب همومنا وجلاء حزننا.
قال تعالى:{أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} "36- 40".
قوله تعالى : {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ} أي يظن ابن آدم {أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} أي أن يخلى مهملا ، فلا يؤمر ولا ينهى ؛ وقيل : أيحسب أن يترك في قبره كذلك أبدا لا يبعث. وقال الشاعر :
فأقسم بالله جهد اليميـ ... ــن ما ترك الله شيئا سدى
قوله تعالى : {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} أي من قطرة ماء تمنى في الرحم ، أي تراق فيه ؛ ولذلك سميت (مني) لإراقة الدماء. والنطفة : الماء القليل ؛ يقال : نطف الماء : إذا قطر. أي ألم يك ماء قليلا في صلب الرجل وترائب المرأة.
{ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً} أي دما بعد النطفة ، أي قد رتبه تعالى بهذا كله على خسة قدره. ثم قال : {فَخَلَقَ} أي فقدر {فَسَوَّى} أي فسواه تسوية ، وعدله تعديلا ، بجعل الروح فيه {فَجَعَلَ مِنْهُ} أي من الإنسان. وقيل : من المني. {الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} أي الرجل والمرأة.
{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ} أي أليس الذي قدر على خلق هذه النسمة من قطرة من ماء {بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} أي على أن يعيد هذه الأجسام كهيئتها للبعث بعد البلى.
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه كان إذا قرأها قال : "سبحانك اللهم ، بلى" وقال ابن عباس. من قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} إماما كان أوغيره فليقل : "سبحان ربي الأعلى" ومن قرأ {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} إلى آخرها إماما كان أو غيره فليقل : "سبحانك اللهم بلى" .. والحمد لله رب العالمين.
والله اعلم.

إعداد ـ أم يوسف:
"المصدر : القرطبي"

* عزيزي القارئ: نكمل باقي الحلقات من هذا الموضوع بعد شهر رمضان الفضيل