إذا كانت النظرة إلى ثورة الاتصالات والتقنيات الحديثة على أنها نوع من الرفاهية وعنوان للتقدم والعصرنة، فإنها في الوقت ذاته لا تخلو من جوانب تتناقض مع هذه الرفاهية أيًّا كانت مستوياتها.
صحيح أن ثورة الاتصالات والتقنيات تتسارع حركة تطورها يومًا بعد يوم جراء التنافس الشديد بين الشركات والعقول المتخصصة في هذا المجال، وحرص الدول على تحويل حكوماتها إلى حكومات إلكترونية لما يؤتيه هذا التحول من ثمار شتى، سواء لجهة استغلال الوقت أو سرعة الإنجاز وغير ذلك، حيث أصبحت دورة الإنتاج مربوطة عائداتها ومنافعها وجدواها بالسرعة الزمنية والوصول إلى المستفيدين من الخدمة، إلا أن هذه الثورة مع إيجابياتها باتت ينظر إليها على أنها سلاح ذو حدين، سواء من حيث غياب الوعي باستخدامها أو توظيفها شِراكًا للاحتيال والابتزاز من قبل من يعرفون بالقراصنة المعلوماتية (الهاكرز)، أو الجيوش الإلكترونية المخصصة والمعدة في هذا الجانب لسرقة المعلومات والتجسس من قبل دول تتقاسم فيما بينها التنافس والعداء الاقتصادي والسياسي والعسكري، والعالم اليوم يعج بالأمثلة على هذا النوع من أساليب القرصنة، وأضحى تبادل الاتهامات مادة إخبارية دسمة في وسائل الإعلام.
هذه الاختراقات والقرصنة المعلوماتية تدفع اليوم بدول العالم ومنها السلطنة إلى أخذ الاحتياطات اللازمة لتفادي مثل هذا النوع من السطو الإلكتروني، وتأتي الندوة الوطنية "الاختراقات الإلكترونية وطرق الحماية منها" ـ والتي نظمتها رئاسة أركان قوات السلطان المسلحة صباح أمس ـ ضمن الجهود التي تبذلها السلطنة للحد من الجرائم الإلكترونية، ولنشر الوعي حول مخاطر الاختراقات الإلكترونية ومعرفة طرق الحماية منها. وتكتسب الندوة أهميتها نظرًا لتزايد حالات الاختراقات الإلكترونية التي كان آخرها ـ على سبيل المثال ـ فيروس "الفدية" الذي تسبب فيما يشبه حالة شلل وخسائر للعديد من دول العالم، كما تكتسب الندوة أهميتها أيضًا لجهة أن السلطنة ليست بمعزل عن هذا العالم "السيبراني" الذي جعله قرية كونية صغيرة، بل هي جزء منه، وحين نعلم أن هيئة تقنية المعلومات بالسلطنة قامت بصد ما يزيد عن (834) مليون هجمة إلكترونية منها (72) مليون هجمة على المؤسسات الحكومية، فإن مستوى الوعي يجب أن ترتفع وتيرته لدى جميع مرتادي المواقع الإلكترونية ومستخدمي شبكة الإنترنت، سواء في أعمالهم الخاصة أو أثناء أدائهم مهامهم الوظيفية، علاوة على ذلك فإن ثمة حالات ابتزاز واستغلال تحصل على المستوى الشخصي واقتحام الخصوصيات، وهذا ما يستوجب تكثيف جرعات الوعي الذي يعد أهم جدران الحماية من الجرائم الإلكترونية، وتوضيح الكثير من المفاهيم، وإبراز الصورة الحقيقية لواقع الاختراقات الإلكترونية وطرق الحماية منها.
وتمثل التوصيات التي خرجت بها الندوة من الأهمية بمكان العمل بها والتي من ضمنها إنشاء مركز يختص بالذكاء الاصطناعي، ومراجعة التشريعات المعنية بتقنية المعلومات، ووضع برنامج وطني يهدف إلى تأهيل الكوادر الوطنية، وتكثيف البرامج التوعوية في أمن المعلومات تسستهدف جميع شرائح المجتمع، والعمل مع المؤسسات ذات العلاقة لتطوير وإنشاء شركات صغيرة ومتوسطة في مجال أمن المعلومات.