[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
”إن المقاربة بين انتشار الرشوة وارتفاع معدلات الثراء تجعل هذا العالم في متلازمة من الكذب والغش والصيد في المياه الآسنة، والتنافع المبيت، وتأسيس امبراطوريات تحمل أسماء شركات تتزين عناوينها بالصدق والحكمة والشفافية ونظافة اليد، على غرار تجميل بعض الوجوه من خلال استخدام حقن (الفلر) لنفخ الملامح لكي تبدو أكثر شبابا ونضارة.”

لا يحتاج المتابع للشأن الاقتصادي العالمي أي جهد متعب في البحث عن مقاربة بين الإثراء في بعض آليات الكسب وانتشار ظاهرة الرشوة دوليا بشكل عام, ذلك لأن لكلتا الظاهرتين وعاء مشتركا مهما حاول البعض التفريق بين الاثنين، فالأصل واحد؛أي الأصل الذي يقوم على الربح غيرالمشروع والتمادي في ارتصافات تحاول أن تكون بعيدا عن أية رقابة.
لقد أفاد تقرير صادر عن منظمة Oxfam (الاتحاد الدولي في مجالي الإغاثة والتنمية) أن ثمانية أغنى رجال في العالم يمتلكون مجتمعين ثروة تفوق ما يملكه 3,6 مليار، من الأشخاص الفقراء وكذلك من محدودي الدخل، ومتوسطي الدخل في العالم حسب سقف الدخول المالية لهذا العدد الهائل من البشر ووفق تصنيف المجلس الاجتماعي والاقتصادي التابع للأمم المتحدة, وبالمقابل أفادت كرستين لاجارد رئيس صندوق النقد الدولي أن حجم الكلفة المالية للرشوة على صعيد العالم تساوي ألفي مليار دولار، مع يقيني أن هذا الرقم تم تقديره وفق مقاييس معينة، وليس في إطار حسابات خضعت لعمليات تدوين طالت الحجم المالي العام, كيف يتحرك؟ وأين يذهب؟ لأن الرشوة عموما لا تخضع لمناقصات بيع وشراء مكشوفة, فكل شيء يتم بسرية تامة وعلى وفق آليات بعضها قديم على غرار ما يفعله موظفون فاسدون بفتح مجرات مكاتبهم في علامات من أجل استدراج المراجعين لإلقاء ما يتيسر لهم من مبالغ فيها مقابل إنجاز معاملاتهم، وفي الغالب يتولون إفراغ تلك المجرات بين ساعة وأخرى وكأنهم يقومون بعمليات تبييض أموال فاسدة لكي لا يندهش المراجعون من حجم المبالغ التي يمكن أن يشاهدوها هناك، مع ملاحظة أن هناك العديد من المبتكرات للحصول على رشى (جمع رشوة) تصلح مضامينها أن تكون أفلاما درامية ليس أقلها ما يفعله سياسيون هربوا قتلة وفاسدين وعملاء من السجون مقابل مبالغ طائلة يشترون بها حراسا ضمن توقيتات معينة. وحسب رواية متداولة عراقيا منذ عهود أن مواطنا بريئا مصابا بمرض المنغوليا أحضروه ونفذوا به الإعدام بدلا من أحد المجرمين العتاة على إيقاع رشوة كبيرة، إذ تمت المبادلة في عملية رشيقة غاية في الدقة بعد أن استطاعوا تخدير هذا المريض جزئيا, وهناك روايات أخرى بهذا الشأن لايمكن لسامعيها إلا أن يصدقوها لأنها بشهود واعترافات ومعلومات مسجلة بالصوت والصورة.
على أي حال،إن المقاربة بين انتشار الرشوة وارتفاع معدلات الثراء تجعل هذا العالم في متلازمة من الكذب والغش والصيد في المياه الآسنة، والتنافع المبيت، وتأسيس امبراطوريات تحمل أسماء شركات تتزين عناوينها بالصدق والحكمة والشفافية ونظافة اليد، على غرار تجميل بعض الوجوه من خلال استخدام حقن (الفلر) لنفخ الملامح لكي تبدو أكثر شبابا ونضارة.
إن معرفتنا بوشائج هذه المقاربة بين الظاهرتين لابد أن تدفعنا إلى (تقدير) نصيبنا في المنطقة العربية منها لأن الأصل في كل ما نعانيه الآن من تراجع في التنمية، وفي استفحال الغش وسقوط العديد من عمليات التطوير وتراجع فرص التوظيف وانعدام الأمن الاقتصادي العام يعود في إحدىأسبقياته إلى الثراء غير المشروع واستفحال ظاهرة الرشوة والانتصار للسلوك الابتزازي العام، وإلا لماذا لا يمكن لنا عربيا أن نتفوق ولو في حالة معينة من التنمية نكون فيها قدوة للآخرين.
إن نفوذ بعض الأثرياء في استخدام المال لتمرير مشاريعهم لا يختلف بأي حال من الأحوال عن نفوذ المال السياسي في تصنيع ولاءات معينة خدمة لأهداف لا يمكن تحقيقها إلا بشراء الذمم، والحال أن خلاصنا من الظاهرتين تحتاج في الحد الأدنى إلى تأسيس منظومة أخلاقية وقانونية صارمة تقلل من تأثيرهما إن لم تستطع وضع حد لهما، إنها مهمة مضنية تتطلب عمليات جراحية وتأسيس أعراف نظيفة وتغيير مذاهب (الربح).