[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” اليوم أكشف جانبا عجيبا من تاريخ بورقيبة فيوم 18 يناير 1952 ألقت سلطات الاستعمار القبض على بورقيبة ونفته في جزيرة جالطة الموحشة وفكر في تحريك سواكن الشعب التونسي ليقوم بالثورة المسلحة (تذكروا إحياء الشعب التونسي لعيد الثورة يوم 18 يناير 1952) فاتصل الزعيم سرا بالمقاومين الذين تعرف عليهم منذ الثلاثينات ثم كتب للشعب التونسي رسالة عجيبة بخط يده...”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل مرة أكتب عن أحداث تاريخية أعثر عليها في بعض الأرشيفات أو يشهد بها رجال ونساء ثقاة عاشوا الماضي إلا ويبعث لي بعض الذين عايشوا تلك الأحداث من بعيد وكانوا حول الزعيم بورقيبة ليلوموني عما يعتقدون أنه تنكر للزعيم وإساءة للرجل الذي حسب رأيهم كان رئيسي وولاني بعض المناصب ثم (حسب رأيهم) يعيبون علي "انقلابي على تاريخ الزعيم". وأنا أتفهم مواقفهم هذه لكني أوضح لهم أن من عمل تحت زعامة بورقيبة هو المطالب أكثر من غيره أن ينير طريق الأجيال الشابة بشهادة الحق لا بشهادة الزور ثم إن الزعيم الراحل ـ رحمة الله عليه ـ لم يدع العصمة فهو كما رددت مرات عديدة لا ملاك ولا شيطان بل هو إنسان وثالثا فالزعيم ما يزال حيا ببصماته على تونس وحاضرها ومستقبلها لأن بعض التوانسة يعتقدون وهم أحرار بأن النمط البورقيبي الذي يتشبثون به هو نمط خالد لا يحيدون عنه وأنا نفسي ساهمت في تعزيزه حين ولاني الزعيم مسؤولياتي في الثمانينات بل ووشح صدري بوسام الاستقلال ثم بوسام الجمهورية لكني أيضا أنتمي الى تلك القلة من الدستوريين التي اضطهدت في عهده ففي شبابي الأول عانيت من الملاحقات و حجز جواز السفر في أواخر الستينات واستنطاقات محافظ الشرطة حسونة العوادي ثم في الهزيع الأخير من عهده حوكمت ونفيت وعانيت 10 سنوات ملاحقة من الأنتربول و14 سنة منافي منذ 1986 حينما تم عزله في قصره وأجبروه على طلاق زوجته وسيلة و طرد ابنه الوحيد واضطهاد وزيره الأول محمد مزالي وإقصاء أقرب وأقدم المخلصين له علالة العويتي ومحمود بن حسين وذلك تمهيدا للانقلاب عليه يوم 7 نوفمبر 1987. عشنا في المنافي الطويلة نحن الذين لم ننقلب عليه و لم نقل كلمة حقد أو شتيمة بل كنا والله يعلم (و الوثائق تشهد) نطالب بفك أسره و إنهاء سجنه بينما كان هؤلاء الذين نصبوا اليوم أنفسهم حماة تاريخ بورقيبة والكهنة المحافظين على المعبد صامتين خائفين لا ينبسون ببنت شفة يسكنهم الرعب من دولة بن علي التي قاومنا نحن استبدادها طيلة 23 سنة وهم قاعدون! اليوم يتظاهر هؤلاء بالولاء المطلق لبورقيبة بعد أن سكتوا عن سجنه في دار الوالي بالمنستير من 1987 إلى وفاته دون عائلة و لا رفاق سنة 2000 !!
اليوم أكشف جانبا عجيبا من تاريخ بورقيبة فيوم 18 يناير 1952 ألقت سلطات الاستعمار القبض على بورقيبة ونفته في جزيرة جالطة الموحشة وفكر في تحريك سواكن الشعب التونسي ليقوم بالثورة المسلحة (تذكروا إحياء الشعب التونسي لعيد الثورة يوم 18 يناير 1952) فاتصل الزعيم سرا بالمقاومين الذين تعرف عليهم منذ الثلاثينات ثم كتب للشعب التونسي رسالة عجيبة بخط يده استعمل فيها الزعيم تحريك الشعور الإسلامي في المواطنين وهي منشورة في الصفحة 459 من كتاب محمد مزالي (نصيبي من الحقيقة) يقول بورقيبة حرفيا :
(إلى الدستوريين المجاهدين المخلصين فإن الفقير الى ربه الحبيب بورقيبة رئيس الحزب يرغب من كل تونسي مسلم أن يمتثل لأوامر أخي في الدين والوطن والجهاد السيد الشاذلي قلالة محل ثقتي ويعينه بكل ما في استطاعته في هذه الظروف العصيبة وله عند الله أجر المجاهدين الأبرار وعند قومه فخر العاملين الصابرين حتى يمن الله علينا بالنصر المبين و تكون كلمة الله هي العليا و يلقى الظالمون المنافقون جزاءهم في الدنيا قبل الآخرة و تكون العاقبة للمتقين و ثقوا أن الله معنا والله أكبر والسلام على من اتبع الهدى وفاز من يرضي الله و الوطن. الإمضاء الحبيب بورقيبة. طبرقة 18 مارس 1952. )
هذا نص رسالة الزعيم وهو المعروف بأنه رائد التوجه العلماني لكنه كان يدرك أن الدين هو الذي يعبئ الجماهير ويدفعها لتحرير تونس وأفسر لكم العنوان الذي اخترته للمقال فقد عثرت على عدد من أشهر المجلات الفرنسية (باري ماتش) صادر في أبريل 1952 يحمل صورة للزعيم بورقيبة ومقالا بقلم أكبر محرري المجلة (رايمون كارتييه) جاء فيه:
(بورقيبة الذي كنا نصنفه معتدلا و تلميذا نجيبا للثقافة الفرنسية نكتشف أنه إرهابي إسلامي يدعو للجهاد ضد فرنسا تأملوا عينيه الزرقاوين تنضح حقدا وتطرفا !)
أليس غريبا أن نكتشف نحن اليوم هذا الجانب المجهول من تاريخ الملحمة النضالية التونسية؟