[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
ليس كل هذا الاستشهاد من أجل مساحة أرض أو لأجل زعيم أو حبا بمهارة القتال، بل هو تقليب للراية من يد إلى يد، من تاريخ إلى آخر، ومن أجل أن يكتب المؤرخون جزءا من مسيرة طويلة لمكان مميز لم يعرف السكون والسكوت.
إنها الحقيقة التي عرفها عصام زهر الدين، ومثله تلك الآلاف من الشهداء .. في حربنا اللبنانية لم يتمكن الشعراء من تأليف القصائد لكثرة الشهداء يوميا ، فكانوا يغيرون اسم الشهيد فقط ويكملون القصيدة القديمة.
هكذا تعجز الكلمات أحيانا عندما يسقط نجم كعصام زهر الدين، وكل شهداء سوريا نجوم، لافرق بين من يضع نجوما على أكتافه أو ذاك المقاتل الذي يزرع نجومه في قلبه. وهكذا تصبح الكلمات مكررة في حضرة أبطال يموتون كالأشجار واقفين، يرسمون للغد سرا لانعرفه نحن الأحياء ، فيه الكثير من عظمتهم.
من بنى هذا العالم هم المغمورون الذين لم تكتب أسماؤهم على لوحات الشرف كما صار للبعض، وحدهم أهالي هؤلاء يرفعون صورة شهيدهم على ظلال حزن يعتقدون أنه فرح وطني ومن أجل الوطن. ماأبهج أن يختار المرء ميتته ليعرف السؤال الذي من أجله جاء إلى الحياة.
ودعت خلال شبابي وكانت الحرب الأهلية اللبنانية في ذروته عددا من الأصدقاء الشهداء أو من الطلاب الذين علمتهم ذات تاريخ، كنت اقرأ أسماءهم في الصحف، وبعضهم تنشر صوره ، لا أذكر أني بكيت يوما، لكني اكتشفت أن البكاء كان يتراكم في داخلي فانفجر دفعة واحدة مثل خزان من الماء تفجر فجأة.
الصور التي نشرت لعصام زهر الدين تظهره كمقاتل عتيق من قديم الأزمان تناسل في رجل بهيج حاملا الكثير من الأسرار القديمة أيضا. هؤلاء لايموتون أبدا، هم واحد في كل حين، وفي كل مرحلة، هم الباقون ونحن الراحلون، هم الأصل ونحن من نتثاءب تعبا من راحة الكرسي التي نستحقها علامة فوق شواهد قبورنا في المستقبل.
تأملت عدد شهداء دير الزور الذين كتبت أسماؤهم على تلك الورقة، لاشك أن الأسماء ستزيد، المؤامرة أكبر من كبيرة، فيها غزارة خطط لاتنتهي، في كل مرحلة تطلع إلينا أفكار منها .. بعضنا يتفاجأ، وبعضنا ينسى أن عقولا قادمة من الجحيم لاتعرف غير النار شكل الود بين الشعوب.
هنالك دول ولدت من أفاعي لاتعرف غير إنتاج السم، من المؤسف أنها تسيطر على الأرض، تكتب التاريخ الذي تختاره لذلك البلد أو ذاك، تعتبر قوتها فعل الضرورة على عالم يحتاج دائما رعاية له. هكذا هي أفكارها، وهكذا هم نحن من تصوب إلينا التجارب المرة، كي ندفع في كل زمن آلافا من رجالنا، ونازحين من عائلاتنا، وخرابا من بلادنا وأوطاننا، ووجعا من جيل إلى جيل ، وذكرى مكتوبة لاتتعلم منها أجيال جديدة.
كم مرت مراحل وبقي اسم سوريا سوريا، وكم مثل عصام زهر الدين وغيره من أبطالها أزهر في جنباتها واليوم أصبح قبره قديما لاينتبه إليه أحد، لكن لولاه لما ظل هذا الاسم على حاله، بل لما ظل حيا نسترجعه في لحظات بطولة مكررة.
ندفن عصام زهر الدين، لكنه يأبى أن يدفن، وثمة رجال مثله استشهدوا ولم يموتوا، طالما أن بطون أمهاتنا تنتج أمثالهم، وهم اليوم يزنرون تاريخنا بقبضاتهم وأمة في الزنود السمر تبتسم كما يقول الشاعر سليمان العيسي.