إن احتفال الجامعات والكليات التطبيقية والتقنية دائمًا ما تكون له بواعثه ومشاعره المختلطة والمختلفة، سواء لجهة بروز هذه الصروح التعليمية كدرة تاج مسيرة التعليم في بلادنا، أو لجهة ما تضخه من مخرجات تعليمية متسلحة بالعلم والمعرفة يُتطلع إليها أن تسهم بمخزونها العلمي والمعرفي في وضع لبنات جديدة في بناء هذا الوطن العزيز.
ويأتي احتفال الكلية التقنية بنزوى مساء أمس بتخريج كوكبة جديدة من طلبتها وطالباتها والبالغ عددهم (987) خريجًا وخريجةً في مستويات الدبلوم والدبلوم المتقدم والبكالوريوس، واحدًا من بين الاحتفالات التي تتميز بطابعها الخاص، من حيث إنها تستحث فينا شعورًا بالفخر، ونحن نشاهد الصروح العلمية في بلادنا كشجرة مباركة تؤتي ثمارها كل عام، وتعظم مشاعر الفخر فينا لجهة أنها أحد المنجزات والمكتسبات لنهضتنا المباركة التي قادها بكل حكمة واقتدار حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي يرجع إليه الفضل ـ بعد الله ـ فيما نحن فيه من تقدم حضاري، وكذلك لجهة أن هذه المخرجات التعليمية هي أعظم دليل وأكبر تعبير عن نجاح الهدف الذي جاءت من أجله هذه النهضة المباركة بجعلها تنمية الإنسان هدفًا وغايةً، فليس هناك أعظم وأجل تنمية للإنسان من تنميته علميًّا ومعرفيًّا، وانتشاله من ظلمة الجهل، وتأهيله للحياة وإفهامه معاني المشي في مناكب الأرض، وحكمة الحياة والخلق، ومعاني الجد والاجتهاد والاعتماد على النفس، وقيمة الوطن والعمل على رقيه وتطوره، من الموقع العملي الذي يضع فيه الخريج المتسلح بالعلم والمعرفة نفسه، ليترجم عصارة ما تعلمه، دون ترفع، واضعًا نصب عينيه الكسب الحلال من خلال مهنته وحرفته.
إن التعليم التقني أصبح كتفًا بكتف مع التعليم التربوي يشقان طريق التنوير، وإعداد الكوادر العمانية الشابة المؤهلة لتقود قاطرة التنمية في البلاد. وإذا كان التعليم التربوي قد حجز مكانته في مسيرة التعليم مؤديًا رسالته ودوره، فإن التعليم التقني هو الآخر قد قطع أشواطًا حافلة، وله بصماته الواضحة، سواء من خلال تلك التخصصات التقنية والمهنية المختلفة والمعتمدة للدراسة في كليات التقنية أو من خلال سواعد التنمية المتمثلة في مخرجات هذه الكليات التي تتوسد وظائفها ومهامها متكئة على تخصصاتها التقنية والفنية والمهنية التي بدونها لا يمكن أن تمضي مسيرة التنمية في بلادنا، بل هي ركن مهم لتسيير عجلة الاقتصاد والإنتاج، أو من خلال حرص مخرجات شهادة دبلوم التعليم العام على حجز مقعد في كليات التقنية، حيث النظرة آخذة في التبدل والتغير بأن مستقبل عُمان في هذه التخصصات التي كانت محتكرة من قبل الأيدي العاملة الوافدة، وأن المستقبل الوظيفي وما بعد الوظيفة "التقاعد" في التخصصات التقنية والمهنية، بل إن الإنسان في ظل ما يشهده العصر من طفرات في مجال التقنيات والاتصالات وغيرها بمثابة الجاهل، وأن لا حظ لمن لا يأخذ نصيبه من هذا المجال. فالتعليم التقني كما اتفق المتخصصون فيه والمشتغلون عليه "يبني شخصية الطالب المتسلحة بالقيم التربوية، والمعارف التخصصية، والمهارات العملية، فكان نتاج ذلك كله خريجًا تقنيًّا لفت أنظار المؤسسات العامة والخاصة، فمدّت جسورها لاستقطاب طلاب التعليم التقني".