[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
ماأجمل وأبهج كلمة استقلال عند الشعوب والدول ، وما أصعب تحقيقها أو الصدق في كونها حصلت بالفعل، وخصوصا في العالم النامي الضعيف الذي كان يسمى بالعالم الثالث ، يوم اجتمع الرئيس الهندي جواهر لال نهرو والرئيس المصري الشاب جمال عبد الناصر والرئيس اليوغوسلافي جوزيف بروز تيتو في باندوتغ عام 1955 ، وتم تأسيس حركة عدم الانحياز ، كان واضحا أنها الوعاء الذي سيضم دولا فقيرة جلها من العالم النامي التي تضع إشارة الاستقلال على صدرها وتحيط نفسها بهالة التمكن من العيش خارج المنظومتين آنذاك أو القوتين اللتين تتحكمان بالعالم وهما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الاميركية.مع الوقت ثبت إن الفكرة غير صائبة، إذ ليس من بلد يمكنه الحياة خارج انتماء الاكبر، بل إني قرأت منذ عشرات الأعوام مقالا معلوماتيا عن هذا التجمع بأنه صار أميركيا، نظرا للعوامل الصعبة التي تحياها دوله اقتصاديا واجتماعيا وماليا مما يدفعها للبقاء في أحضان من يقدم لها إمكانية الاستمرار ولو بالحد الأدنى.
ومع الوقت ثبت هزالة كلمة الاستقلال الجميلة التي لها معناها المؤثر في ضمير الشعوب ، وهي المحرض للقول بأنها حقيقة واقعة، فيما هي كلمة بلا تنفيذ حقيقي .. يكفينا التطلع إلى عالمنا العربي كي نستدل على واقعنا الاستقلالي، كنا مقسمين بين فرنسا وبريطانيا، ثم جاءت اميركا وتحكمت ومازالت، وقبلها كانت الدولة العثمانية .. وفي لبنان البلد الصغير المساحة، عاش العثمانيون والفرنسيون ثم الأميركيون وتحكمت به الفترة الناصرية، ثم الوجود الفلسطيني العسكري ، فالسوري ، دون ان يعني ان القوة الاميركية القاهرة أو التأثير السوفييتي لم يكونا يمسكان بخيوط اللعبة.
في كل عصر هنالك دولة كبرى أو ما كان يسمى بامبراطورية، ولم تكن تلغى إلا إذا قامت على جثتها امبراطورية او قوة اخرى، خصوصا وانها تصاب دائما بالشيخوخة فيصيبها الهوان ، فما ان تصعد قوة شابة فتية حتى تتلاشى امامها.
جميلة اذن كلمة الاستقلال، لكن كيف لنا تحقيقها في عالم القوة الزائدة والتحكم عن بعد ، والحاجة الماسة لكل ما هو ضروري في حياتنا والذي تنتجه مصانع الدول الكبرى فتحولنا أسرى له .. هل يمكن لنا الاستغناء عن الدواء مثلا، وعن السيارة وعن الطيران، وعن الاختراعات الانسانية، وعن الكثير من حاجات المرء اليومية وغير اليومية، حتى الاجهزة الخليوية التي صنعت لأجل الاستعمال السريع والمؤقت ، تستعبدنا في هذه الأيام وتتحول إلى قضية وجود عند كثير منا.
ثم إن موقع بلادنا العربية الحساس، وخاماته الارضية وفي طليعتها النفط، اضف وجود اسرائل ، يجعل بلادنا رهينة الاحداث الدائمة. صحيح ان النفط تحول الى نقمة ومصدر احداث عاصفة، لكن المنطقة ايضا وقبل وجوده تعرضت لاحداث مصيرية وكثيرة.
صديق إماراتي قال لي يوما ان الاستعمار يعيش تحت جلودنا، واضاف انه لو كان جواز سفره بريطانيا مثلا لكانت حياته مختلفة. هذا الامر تتفهمه الدول الكبرى وهي ترى اقبال العرب وغير العرب من الدول النامية الأخرى على طلب العيش فيها، رغم انها في سجلها السياسي القديم دول استعمارية ، لاشك ان دول عدم الانحياز صار مركز تساؤل في جدواه ، وهو المنخور في معناه وفي الدول التي تحمل اسمه، فإذا بها تمد يدها اليمنى الى اميركا وكذلك اليسرى اليها ايضا.