يقف المرء في كثير من الأحيان متعجبا أمام بعض الممارسات الإدارية التي لا تقتصر على مستوى معين من المؤسسات أو القطاعات لأن الإنسان يتحكم فيها بجميع التناقضات التي يحملها بداخله، فتجده يستهجن أحيانا ما ارتكب من آخرين عندما لا تكون بيده سلطة الا أنه لا يتردد في فعل الشيء نفسه عندما يمتلكها أي السلطة، وتسيطر عليه العديد من المؤثرات التي تفقده مجموع الشعارات التي كان يوما ما يؤمن بها ويرددها وتحل محلها جمل ومفردات وقيم وسلوكيات وممارسات جديدة يعتقد انها هي الأفضل لضمان الحصول على التأييد الذي يبقيه أطول فترة على كرسي الألوهية أو الملكية، وبالتالي فإن أعينه بطبيعة الحال لا تبصر إلا أولئك الذين أحاطوا به عبودية وتبجيلا أو تأثيرا بصداقة تستحق ان تحظى من خلاله كما يراه هو بالتقدير حتى وان كان ذلك على حساب وطن او نظام مؤسسة او شركة بعيدا عن الكفاءة او المهنية المطلوبة، على اعتبار ان مثل هذا الإجراء يجعله ومن خلالهم بإبقاء سيطرته قائمة على القطاعات الهامة في محيط المسؤولية التي بين يديه.
وهناك في الواقع الكثير من الممارسات التي بات المجتمع يستنكرها وبشدة اختفت فترة وجيزة إلا إنها عادت مرة أخرى الى الظهور وهي تعدد المناصب لدى شخص واحد، على الرغم من حجم السلبيات التي صاحبتها من سرقات واختلاسات ورشاوى صدرت في حقها العديد من الأحكام القضائية، فتعدد المناصب في يد شخص معين يعد سبيلا نحو دفع البعض الى ارتكاب بعض السلوكيات الخاطئة أمام حجم المغريات التي تتعرض لها نفسه الضعيفة الأمارة بالسوء، صحيح ربما المسؤول الأعلى ليس له يد في ذلك الا انه احد الأسباب التي أوصلت تلك الفئة الى هذا الطريق بقبوله حمل عدد من الملفات لا يجد الوقت لمراجعتها أو مناقشتها وبالتالي يضع كل ثقته في أولئك الأفراد فتقع المشكلة وتشوه السمعة والسيرة الذاتية، فلماذا الانسان يقبل على نفسه ان يصل الى مثل هذه المرحلة؟ هل هي رغبة في الشهرة ام طمع في ما يحصل عليه من إيراد؟ ولماذا في المقابل تستغل الصداقات في وضع عدد من الملفات بيد شخص معين؟ الا توجد كفاءات قادرة على حمل هذه المسؤولية؟ فالإنسان مهما كانت لديه من طاقة لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يتولى الإدارة المباشرة لعدد من المؤسسات المهمة فاليوم به 24 ساعة فلو افترضنا ان عدد الملفات 10 وكل ملف يحتاج الى ساعتين فإن ذلك يتطلب منه 20 ساعة عمل، الا يريد هذا الانسان ان ينام او يأكل او يشرب او يمارس حياته الاجتماعية؟
ان الاسلوب الذي ينتهجه البعض في توزيع المناصب على اخ او صديق او قريب يعد إجراء بعيدا عن الواقعية في الوقت الراهن بسبب حجم المسؤوليات المناطة بكل جهاز خدمي نتيجة النمو السكاني المتزايد وارتفاع سقف المطالب لمجالات الخدمة وما يحتاج ذلك من جهد تخطيطي مستمر، فإذا كان المسؤول في الوقت الحالي يعاني الأمرين من تحقيق النجاح الذي يتوقعه المجتمع من مؤسسته وبعيد عن الوصول الى الإنجاز المطلوب ولديه العديد من الإخفاقات، فهل لديه القدرة الخارقة على التحمل الفعلي وليس الاسمي للعديد من الملفات، اعتقد ان المسؤول العاقل في الوقت الراهن بعد ان اصبح كل فرد في المجتمع ناقدا ومراقبا ومتابعا جيدا لأعمال الحكومة ان يكتفي بملف واحد او ملفين على الاكثر شريطة ان يكون الملف الآخر له علاقة وثيقة بالملف الأول، حيث إن التصدي لحمل أكثر من ملف أو أكثر من منصب لا يعد شجاعة أو بطولة وأنما حمل مسؤولية لأمانة سيسأل حاملها يوما ما أن لم يقم بحقها في الدنيا من الحاكم والمجتمع وفي الآخرة من الله سبحان وتعالى.
فإلى متى سيظل المجتمع يدفع ثمن مثل هذه المسارات الإدارية التي يعتبرها البعض معيقة لتقدم المجتمع وتطوره؟ ولماذا لا نثق بالعديد من العقول والخبرات والقدرات الوطنية التي نجحت لدى الآخرين ونستبعدها نحن عن إدارة مؤسسات تحتاج من ينتشلها من إدارة المسؤول المعيق للتقنية أو لديه عقدة الأنا أو ذلك الذي لا يريد أن يسمع الا صوته فقط؟ أم أن ذلك يحتاج الى قرار شعبي كباقي القرارات حتى الآن التي صدق عليها قائد البلاد ـ حفظه الله ـ استجابة لمطالب شعبه الوفي؟.

طالب بن سيف الضباري
أمين سر جمعية الصحفيين العمانية
[email protected]