[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” .. في كل مرة تظهر فيها بوادر حل سياسي, تقوم أميركا بقصف مكثف لمدنيي المناطق السورية, وكأن المقصود, هو وضع فيتو أميركي على أية تسوية سياسية. الرقة دخلتها قوات سوريا الديموقراطية, الناطق الرسمي السوري, أعلن بكل صراحة ووضوح, أن سوريا لا ولن تعتبر أية منطقة محررة ما لم تدخلها قوات الجيش العربي السوري.”

في جولته الخليجية, صرح وزير الخارجية الأميركي, عندما سُئل عن مدة بقاء القوات الأميركية في سوربا, أجاب قائلا: "بأن مهمة هذه القوات بعيدة عن النهاية". التصريح يفضح حقيقة النوايا الأميركية في هذا البلد العربي. بدايةً نتساءل: من الذي أعطى أميركا الحق للتواجد في سوريا؟ تدعي الولايات المتحدة أنها تقود حلفا ضد الإرهاب! لكن سنوات وآلاف الطلعات الجوية لم تكن كافية لتدمير هذا الأرهاب. المنعطف الوحيد في الحرب على الإرهاب, كان عند الدخول الروسي في سوريا في عام 1915, حيث بالمعنى الفعلي استطاعت وبالتحالف مع إيران وحزب الله والجيش العربي السوري, الذي ظل متماسكا على مدى سبع سنوات, استطاع هذا التحالف تدمير وسحق أسطورة الإرهاب. نتساءل: كم من مرة أخطأت الطائرات الأميركية في إنزال أسلحة في منطقة داعش وجبهة النصرة؟ كم من مرة فتح القصف الأميركي لمواقع داعش في العراق, طرقا آمنة لينسحب منها الداعشيون إلى مناطق أخرى؟ هكذا حصل في الموصل في العراق, وهكذا حصل في الرقة منذ أسبوع؟ المدينتان دمرتا تماما, ولم تعودا صالحتان للسكن. وكأن المقصود هوتدمير البنية التحتية لكل من البلدين.
ثم, وفي كل مرة تظهر فيها بوادر حل سياسي, تقوم أميركا بقصف مكثف لمدنيي المناطق السورية, وكأن المقصود, هو وضع فيتو أميركي على أية تسوية سياسية. الرقة دخلتها قوات سوريا الديموقراطية, الناطق الرسمي السوري, أعلن بكل صراحة ووضوح, أن سوريا لا ولن تعتبر أية منطقة محررة ما لم تدخلها قوات الجيش العربي السوري. من ناحية ثانية, فإن قوات سوريا الديموقراطية, ألحقت مدينة الرقة, التي سكانها في غالبيتهم من العرب, بمشروع الحكم الذاتي لمنطقة "روج أفا" التي أعلنتها منذ عام, على قاعدة تشكيل كونفدرالية سورية. نسأل, أية دولة تقبل بأن يجري تقسيمها, تماما مثلما يحصل في سوريا؟. نفهم إعطاء الحقوق للأقليات ولكن على قاعدة التفاهم مع الحكم المركزي في دمشق. نسأل أيضا, لماذا رفضت الدول الأوروبية وأميركا, الاستفتاء الذي جرى في كاتالونيا, وأغمضوا عيونهم عن القمع الذي مارسته قوات الشرطة الإسبانية ضد الكاتالونيين؟ يا ترى لو جرى استعمال ذات الطريقة في كل من العراق وسوريا ضد أكراد البلدين, فماذا سيكون رد الفعل الدولي على البلدين؟.
من ناحية أخرى, صرخ نتنياهو, بأنه يقوم بحشد القوى الدولية منعا لانتكاسات الأكراد في العراق. جاء ذلك بعد دخول قوات الشرعية العراقية إلى مدينة كركوك وإلى الحقل النفطي الأكبر في العراق. معروفة هي دوافع الكيان الصهيوني في تقسيم العراق وسوريا, والتي هي بالدرجة الأولى دوافع أميركية. وإذا ما ربطنا ذلك مع العملية الإرهابية الأخيرة التي جرت في منطق الواحات في سيناء ضد الجيش المصري, وذهب ضحيتها 59 شهيدا وعشرات الجرحي, تتضح الحلقة ثلاثية الأبعاد, التي صاغها ديفيد بن غوريون في بداية إنشاء الكيان الصهيوني عام 1948, والمتمثلة في تدمير الجيوش السورية, العراقية والمصرية, لإزالة عقبة أقوى ثلاثة جيوش كبرى, قد تقف قوة في وجه إسرائيل. تحدث بن جوريون أيضا آنذاك عن تقسيم الدول العربية, وتحديدا هذه الدول الثلاث. جاء برنارد لويس في عام 1974 ليفصّل التقسيم الجغرافي للدول العربية إلى 42 دويلة متقاتلة, ولهذا جرى إشعال الصراعات الطائفية, المذهبية والإثنية, وجرى استبدال إسرائيل كعدوة, إلى دولة صديقة , والتصوير بأن إيران هي العدو الأكبر والأوحد للعرب!!.
بالفعل, ما إن بدأت بوادر الفشل على الحرب في سوريا, وانتهت بفشل المشاريع الطامحة لتقسيم هذا البلد العربي, حتى عادت الولايات المتحدة لتنشط من دورها في سوريا, ليس من أجل محاربة داعش, وإنما لتفتح طرق آمنة لأعضائه من أجل ديمومة الحرب في كل من العراق وسوريا, هذا ما حصل في الرقة, فقد فتحت أميركا المجال للداعشيين لينتقلوا بأمان إلى دير الزور, من أجل قطع الطريق على القوات الشرعية السورية للوصول إلى الحدود العراقية – السورية نحو مدينة البوكمال الحدودية بعد تحريره مدينة الميادين, وخصوصاً لمنعه من الوصول الى حقول النفط في المنطقة, التي وضع الاميركيون يدهم على بعضها وبخاصة المجمّع المعروف باسم "كوينكو". بالتالي , يمكن القول, كنتيجة لواقع ما يجري, أن الولايات المتحدة لا تحارب الإرهاب في سوريا, بل تطمح إلى إدامة الحرب حتى تقسيم سوريا. لكن خطط التقسيم ستفشل, كما أفشلتها سوريا وحلفاؤها على مدى سبع سنوات.