[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
”.. من السموم اللافتة الآن ما يصدر عن سياسيين وإعلاميين يحاولون بصورة أو بأخرى تسميم الإنجاز العراقي بإيحاءات عن القوات المسلحة العراقية التي استطاعت أن تبسط هيمنتها على مناطق استلبتها حكومة إقليم كردستان, كما يكفينا أيضا من السموم التي تستهدف مصر للإيهام أنها في ورطتين أمنية واقتصادية لا فكاك منهما تأسيسا على ما تتعرض له من محاولات للنيل من استقرارها...”

تطول قائمة ضحايا السموم, أو تقصر, أو تتسلل, أو تظهر بحدة, فإن قاسمها المشترك المحرك ليس لها سوى الغدر والالتفاف والتوجس والخيانة بأبشع صورها, وإذا كان البعض يمتلك براءة اختراع متكررة لدس السم بالعسل، أو كما يقول ابن رشد تغليف الباطل, إلا أن آخرين يقتحمون ضحاياهم غيلة مع بطانة استخفاف تغطيها الابتسامات الواسعة وتمنيات بالصحة والعافية والدوام!
الأصل هنا في تناول هذا الموضوع يعود إلى ما تناقلته وكالات الأنباء خلال الأيام القليلة الماضية عن مجموعة خبراء في الطب الشرعي أشاروا إلى أن الشاعر التشيلي المعروف بابلو نيرودا الحائز على جائزة نوبل الذي وافاه الأجل في الـ23 من سبتمبر ـ أيلول 1973 قد يكون مات مسموما وليس نتيجة الإصابة بالسرطان, وأن الأمر يحتاج إلى المزيد من التحريات خلال الأشهر الستة المقبلة للتأكد من صحة هذا الاستنتاج, وحينها لا بد أن يوجه الاتهام الدامغ إلى دكتاتور تشيلي المعروف أجوسطو بينوشيه الذي كان يكن عداء سافرا للشاعر اليساري وكان يجده عبئا ثقيلا على حكمه.
وبذات قائمة الضحايا تظل شكوك تسميم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أحد العناوين المتداولة ما أدى إلى وفاته وهو القائل في أحد الحوارات المنشورة التي أجريتها معه (أخشى ما أخشاه أن تتحول الخيانة إلى وجهة نظر) مع العلم أن لا أحد يمكن أن يصل إلى مقر إقامته في مدينة ( رام الله) إلا أخلص المعتمدين لديه، وبذلك تكون جريمة تسميمه إن كانت قد حصلت فعلا فهي بأصابع خائنة مقربة لديه، ويمكن أن تخترق مائدة طعامه, أو علب أدويته, ومن اللازم أن تزدحم الأسئلة, من يقف وراء ذلك؟ ومن جهز السم القاتل؟ وكيف استطاعت الجهة التي قررت اغتياله أن تجند احدا للقيام بذلك، مع العلم أن الموساد الإسرائيلي باختصاصات متقدمة في استخدام سلاح السموم واعتماد طرق ملتوية غاية في الخسة؟
وللسموم أيضا بالنسخ السياسية والإعلامية والاقتصادية حضورها الواسع، ويكفيك في ذلك أن تتعرف على ما يصدر عن بعض نجوم المعارضة السورية في تسميم الواقع بمزاعم وادعاءات تحاول اللعب على إيقاعات الشكوك والريبة واسترخاص الكذب, فبالرغم مما حصل ويحصل الآن من متغيرات أمنية لوجستية لصالح الدولة السورية تجد معارضين سورين يسوقون معلومات مزورة وأخبارا ملفقة، في محاولة يائسة لقطع الطريق على إنهاء أزمة هذا البلد.
ومن السموم اللافتة الآن ما يصدر عن سياسيين وإعلاميين يحاولون بصورة أو بأخرى تسميم الإنجاز العراقي بإيحاءات عن القوات المسلحة العراقية التي استطاعت أن تبسط هيمنتها على مناطق استلبتها حكومة إقليم كردستان, كما يكفينا أيضا من السموم التي تستهدف مصر للإيهام أنها في ورطتين أمنية واقتصادية لا فكاك منهما تأسيسا على ما تتعرض له من محاولات للنيل من استقرارها في أكثر من جريمة واحدة، آخرها ما حصل خلال الأسبوع الماضي في منطقة الواحات على تخوم الصحراء الغربية, وكذلك للنيل من اقتصادها بطريقة هدفها التشكيك بقدرة هذا البلد أن يبقى قوة استقطاب إقليمية وازنة.
وليس بعيدا عن السموم التي تستهدف مصر، ثمة قوارير جميلة ومزينة لكنها ممتلئة بالسموم التي يحاول البعض تسويقها إلى الحياة العربية من أجل تكريس العجز العربي في الوصول إلى ما يصحح مسارات العمل القومي المشترك, والحال أيضا هذا الإهمال الواضح لصولات السموم على بيئتنا ومراكزنا العلمية وتطلعاتنا كي يستسلم الواقع العربي إلى حالة من الغثيان والضياع، وبالتالي نكون قد وضعنا أنفسنا تحت رحمة انتظارات طويلة الأمد أساسها الفوضى ليس إلا.
أخيرا بين سموم القوارير المعسلة المكتومة والضامرة, ورياح السموم السياسية المفضوحة, تبقى فرصة النجاة مرهونة بفحص أولوياتنا وإحباط تسرب أصابع (الطباخين) الأصدقاء إلى موائدنا.