[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”الشعب الفلسطيني في الداخل (على عموم أرض فلسطين التاريخية) وفي المنافي والشتات، يتطلع بكل أمل أن تتصرف القوى السياسية الفلسطينية هذه المرة، بوعي ومسؤولية وطنية كاملة، وأن تُدرك أن العالم رمى الكرة في ملعبهم وبرأ دولة الاحتلال ودول المنطقة من المسؤولية عن الانقسام وعن الحصار الجائر والظالم المفروض على قطاع غزة، وألقى على عاتقهم مسؤولية إنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام الداخلي في صفوفهم.”

بعيدا عن كل التقديرات، إنَّ المصالحة الوطنية الفلسطينية المنشودة، التامة والكاملة، مصلحة وطنية فلسطينية، خالصة مئة بالمئة. وقد رحبت جميع القوى والفصائل الفلسطينية، ودون استثناء، بالتفاهمات الأخيرة بين حركتي حماس وفتح، والتوقيع على تلك المصالحة والبدء بمشوارها المطلوب حتى إنجازها بشكل تام وكامل. ويتوقع أن يتم عقد الاجتماع الشامل لكل القوى والفصائل للانطلاق نحو تنفيذ كامل بنود اتفاق العام 2011 الموقع في القاهرة بين الجميع.
فقد رحبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بتوقيع حركتي فتح وحماس اتفاق المصالحة في العاصمة المصرية القاهرة. ودعت الجبهة إلى ضرورة البناء على اتفاق المصالحة، وذلك من خلال تخفيف معاناة مواطني قطاع غزّة، باتخاذ إجراءات عاجلة تخص معاناتهم اليومية.
كذلك الأمر بالنسبة لمواقف باقي القوى والفصائل كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، وحركة الجهاد الإسلامي، وجبهة التحرير العربية، والجبهة العربية الفلسطينية، وجبهة التحرير الفلسطينية، ومنظمة طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة)، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وحزب الشعب الفلسطيني، وحزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، وحركة المبادرة الوطنية.
وكانت القيادة المركزية لتحالف القوى الفلسطينية (المعارضة) قد أصدرت بيانا حول المصالحة والاتفاق بين حركتي فتح وحماس، وجاء فيه "أنَّ القيادة المركزية تتطلع أن يوفّر الاتفاق الذي جرى بين حركتي فتح وحماس السبل لرفع العقوبات الظالمة وإنهاء الحصار الجائر بكل أشكاله على قطاع غزة".
إن اتفاق المصالحة قد أوجد ترحيبا واضحا من العالم العربي على المستويات الرسمية والشعبية، بدءا من جامعة الدول العربية، ومختلف العواصم العربية، التي عبّرت عن ارتياحها من إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، وبدء مرحلة وطنية تحت ظلال المصالحة الفلسطينية. كما رحّبت بالمصالحة الفلسطينية مُعظم دول العالم، وخاصة الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وكل ذلك يستدعي بذل الجهود وتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي والخبرات للشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات، لإنجاح الاتفاق بملفاتهِ كافة.
إنَّ وحدة البيت الفلسطيني، وتوحيد الأرض المحتلة عام 1967، وعودة توحيد المؤسسات الوطنية الفلسطينية، يجب أن يتم انطلاقا من وحدة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني في الداخل والشتات، ومن وحدة البرنامج والمشروع الوطني. فالمصالحة يفترض بها أن تشمل الشراكة، والانتخابات التشريعية والرئاسية، وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان الموحّد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات)، لتصبح كل تلك الأمور في منظور الفعل والعمل التالي، وصولا لبناء استراتيجية وطنية فلسطينية، وأن القرارات المصيرية من صميم البرنامج السياسي، وأنه من غير المقبول أن يتم التفرد أو العمل خارج الوفاق الوطني. فاتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية، يعني إحداث التغيير المطلوب على طريق تجسيد وحدة الأرض والشعب ووحدة البرنامج النضالي التحرري الفلسطيني، فالمسألة ليست مسألة اقتسام نفوذ لسلطة لا تزال تحت الاحتلال، بل الأمر يتعلق بوضع برنامج وطني توافقي جامع وموحّد لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، لتمكين الجميع من القيام بدورهم النضالي والكفاحي، على طريق العودة والاستقلال والحرية للشعب العربي الفلسطيني، وإطلاق العملية الديمقراطية من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة جميع القوى والفصائل يكون على رأس أولوياتها الإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية في أقرب وقت ممكن، وانتخابات شاملة لمجلس وطني فلسطيني (البرلمان الموحّد للداخل والشتات) جديد على طريق إعادة بناء وتجديد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ودخول باقي القوى لعضويتها، وتحديدا حركتي حماس والجهاد الإسلامي. بالرغم من أنَّ حركتي حماس والجهاد الإسلامي ما زالتا ترفضان الالتزام ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي يُشكّل عقبة كبيرة أمام انضمامها مستقبلا إلى المنظمة. فلسان حال المنظمة يقول "لا يمكننا تغيير برنامج منظمة التحرير من أجل أيّ حركة أو حزب سياسي يودّ الانضمام إليها، لأن ذلك ربما يقود إلى قيام عدد من دول العالم المهمة بسحب الاعتراف بالمنظمة، وتاليا السلطة".
وفي هذا السياق، إنَّ التطبيق العملي لاتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية، والابتعاد عن المحاصصة، يُشكِّلُ ضرورة لا بد منها لإنجاح الاتفاق، على أن الرهان الآن يتجه نحو تطبيق ما جرى الاتفاق عليه، خاصة في ظل التجارب السابقة التي عايشها الفلسطينيون من توقيع لاتفاقيات لم يكتب لها النجاح.
إنَّ كل ذلك يتطلب إبداء كل المرونة المطلوبة من جميع القوى الفلسطينية، لإنجاز المصالحة الوطنية الشاملة. والبدء بخطواتِ المصالحة عمليا على أرض الواقع لإعادة الوحدة وإرساء قواعد الشراكة السياسية على طريق البرنامج السياسي الوطني التوافقي (الذي توافقت عليه ووقعته على وثيقته كل القوى الفلسطينية في العاصمة المصرية/القاهرة عام 2011)، وتكريس الوحدة الوطنية في مواجهة الاستحقاقات الكبرى التي تنتظر الحالة الوطنية الفلسطينية في الداخل والشتات، فالكل الفلسطيني بحاجة الآن للوقوف أمام المُتغيرات الدولية، لأن هناك مشروعا أميركيا لتصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان "صفقة القرن"، حيث لا بد من توافر الوحدة الوطنية كشرط لا بد منه لمواجهتها.
الشعب الفلسطيني في الداخل (على عموم أرض فلسطين التاريخية) وفي المنافي والشتات، يتطلع بكل أمل أن تتصرف القوى السياسية الفلسطينية هذه المرة، بوعي ومسؤولية وطنية كاملة، وأن تُدرك أن العالم رمى الكرة في ملعبهم وبرأ دولة الاحتلال ودول المنطقة من المسؤولية عن الانقسام وعن الحصار الجائر والظالم المفروض على قطاع غزة، وألقى على عاتقهم مسؤولية إنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام الداخلي في صفوفهم، وعليها أن تدرك أن ما يُسمى بــ"الصفقة الكبرى أو صفقة القرن" التي حرّكت عدة قوى إقليمية للدفع باتجاه المساعدة على إنجاز ملف المصالحة تستهدف الكل الفلسطيني، تستهدف منظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطني كما تستهدف حركة حماس وبقية فصائل المقاومة، أمّا الشعب الفلسطيني فله مصالحة وتقديره للمصالحة وبالتالي أهدافه الوطنية التي لن يحيد عنها مهما افترش طريقه من مصاعب والتواءات، فلن تنال منه مشاريع يراد زرعها كالحديث عن مشروع "صفقة القرن"، فكل من يتوهم بوأد القضية الوطنية سيخرج خاسرا في نهاية المطاف.
أخيرا، إنَّ الفشل ممنوع في مسار المصالحة الوطنية الفلسطينية، وإعادة بناءِ الوحدة الوطنية الفلسطينية، فالعودة للوراء تقع في باب المُحرّمات الوطنية، فالفرصة الآن أوسع وأعمق للمعالجة الشاملة، ولتذويب كل المُعيقات، والبدء بمرحلة جديدة، مع إنهاء جزئيات كل ملف.