[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
اشتغل اليهود في فلاحة الأرض وتربية الضأن والبقر والتجارة والحرف والأعمال المختلفة، إضافة إلى ضريبة الرؤوس، وضريبة الأرض التي كانت تستحصلها السلطات من اليهود، ولم يتدخلوا في شؤونهم الداخلية لذلك أفلح اليهود في أن يقيموا مؤسسات اجتماعية ودينية من دون تدخل.
في أيام الملك الفرثي ارتيان الثالث (12-14م) برز في بابل اخوان جباران اسماهما حسينائي وحنلائي، وتسلطا على اقليم نهر دعا قرابة خمس عشرة سنة، فاوقعا الذعر على تلك المنطقة، وعتما على ملك الفرثيين نفسه واجبراه بان يعترف بهما حاكمين على الاماكن التي استوليا عليها، وبسبب الصراع الذي نشب بين الاخوين الاثنين دُسَ السُمْ لحسينائي بيد زوجة حنلائي الغريبة، وبعد ذلك سقط هو ايضاً في معركة مع الفرثيين وعندما زال حكم هذين الاخوين، انتقم اهل المكان من اليهود وأوقعوا فيهم مجزرة كبيرة وهرب كثيرون الى طيسفون والى نصبين ومدن اخرى حتى يزول الغضب.
وبخصوص ذلك يذكر يوسف غنيمة في كتاب (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ص10) قصة ما حصل لليهود بسبب ما فعله حنلائي (الذي يسميه انيلا) وعصابته والتي جرت على اليهود الويلات، مما اضطر اليهود للهجرة الى طيسفون، وبذلوا ما في وسعهم ليعيشوا بمؤاخاة اليونان والسريان سكان سلوقية، وجاملوا السريان اكثر من اليونانيين، ولعبوا لعبة التحالفات وتنشيط الأضواء رغبة منهم في اثارة المشاكل بين الاقوام حتى تضعف جميع الاطراف، ويزداد نشاطهم وتتسع تجارتهم، وقد اتفقوا مع السريان على ان يخضعوا اليونان لهم، فأثار ذلك حفيظة وامتعاض اليونانيين، ودون أن يذكر مراجع محددة يقول غنيمة أن اليونان والسريان اتفقوا على مهاجمة اليهود، وأن الشعب العبراني خسر في تلك الواقعة نحو (50.000) الف شخص. واضطروهم الى ان يعبروا دجلة باتجاه طيسفون عاصمة الفرثيين ويُشَكْ في حجم الرقم الذي ذكره غنيمة، برغم ان اليهود قد انتقلوا من بابل الى المدن المذكورة ليكونوا بالقرب من الحاكم، ولكن المعروف انهم توزعوا في الأراضي الصالحة للزراعة كما أن اكثر من 50 الفاً قد هاجروا مع عزرا ونحميا في زمن كورش ملك الفرس.
ونجد في بطون التاريخ احداثاً تشير إلى أن اليهود قد تعرضوا للقتل وتضييق الخناق، وهذا ما حصل ـ كما يذكر غنيمة ـ في زمن مؤسس الدولة الساسانية الملك اردشير الذي يقول، أنه لم يكن من اصدقاء اليهود، بل أنه ضيق عليهم الخناق وأمر باضطهادهم وسمح للمجوس بتعذيبهم والتنكيل بهم لأنهم قد ساعدوا الفرثيين في حروبهم مع اردشير، ولكن الغريب في الأمر أن القصص التي تذكر عنهم تتشابه وتخلص الى ذات النتيجة، وتبدأ في اضطهاد اليهود وتعذيبهم، ثم سرعان ما يتمكن اليهود من استرضاء ود الملك وحاشيته ويصبحون من المقربين اليه.
ويذكر المستشرق (نلدكه) أن سبب موقف الساسانيين من اليهود وفي تلك الفترة لتهربهم من دفع الضرائب، إلا أن ذلك العهد سرعان ما انتهى وتمكن اليهود من ارضاء ملوكهم وخطب ودهم، ونالوا الوجاهة من حكام البلاد، وتقربوا من السلالة المالكة، وكانت حالتهم متقلبة في زمن الساسانيين بين راحة وقلق (نزهة المشتاق ص76).
وفي زمن حكم الساسانيين (226-637م) فان الدين الذي كان سائداً هو الزرادشتيه ويذكر (ارثر كريستنسن استاذ الدراسات الإيرانية بجامعة كوبنهاجن في كتابه – إيران في عهد الساسانيين ص130) أن الساسانيين قد اتحدوا منذ بداية عهدهم مع رجال الدين الزرادشتيين وقد استمرت الصلات الوثيقة بين الدولة والدين طوال العهد الساساني.