نكتب للناشئة كونهم فئة ترسم حدود المستقبل ونضجهم نضجٌ للمستقبل ذاته

"ذات أفنان" .. مكتبة ثقافية أدعي أنها في الاتجاه الصحيح لتكون مشروعا ثقافيا شاملا

حوار ـ خميس السلطي:
- محمد قرط الجزمي، قاص وروائي عماني، سجل حضوره في الساحة الثقافية من خلال إصدارات أدبية متعددة، نُشرت له في مختلف دور النشر العربية أكثر من رواية، وهي (من دون مرآة) و(الدماء تعود إلى مجاريها) و(الروامح) وأكثر من مجموعة قصصية وهي (حُب أسود)، و(قد نموت ألف مرة)، و(الشيطان يلهو)، بالإضافة إلى سلسلة روايات للناشئة، وأغلب كتاباته في أدب الخيال العلمي، حصل على عدد من الجوائز المحلية والدولية .. هناك الكثير من التفاصيل التي تحدث عنها الجزمي في هذا الحوار .. من بينها ما يدور حول الإنعزالية وتفاصيل الجغرافيا .. فكان الحوار ..

-------

• عندما نقترب من مسيرتك الأدبية نشعر إنها لا تخلو من المفاجآت، فأنت حسب ما علمنا أول كاتب في مجال الخيال العلمي في السلطنة، حيث بدايات النشر عام 2012، كيف توضح هذا الأمر؟ ألا تعتقد أن ثمة كُتّاباً آخرين من السلطنة سبقوك في المجال ذاته؟ لو نذهب إلى مقتضيات وتفاصيل مجال أدب الخيال العلمي ونتحدث بشأنه.. بماذا ستطلعنا في هذا الواقع؟

- أدب الخيال العلمي لم يولد بالأمس، بل نشأ منذ عقود بعيدة، تَمرَّسه الغرب والشرق حتى برعوا فيه، وبقينا نحن - في الوطن العربي بأكمله - متخلفين عن هذا الركب، في عصرٍ وقودُه وغذاؤُه العلم. وإذ نقول أنَّ الجزمي هو أول كاتب خيال علمي في السلطنة، لا يدعو هذا إلى الفخر.. دخلنا القرن الحادي عشر، هناك دول تسعى إلى غزوِ الكواكبِ والفضاءِ، واستيطانُ المريخ لم يعد فكرة خيالية، في حين أننا هنا ما زلنا نتحدث عن أول كاتب خيال علمي في السلطنة!، بدايتي الأدبية بوجه عام، ومشواري في مجال الخيال العلمي بوجه خاص، كان في 2012م، مع إصدار أول رواياتي (من دون مرآة).. وقد لاقت الرواية استحسان القراء، بل إن المُخرج المصري (عادل سيد) قد اقترح تحويلها إلى فيلم سينمائي، غير أنه واجه بعض المشاكل مع مموليه الأوروبيين، فتوقف المشروع. في تلك الفترة التفتتُ حولي، أبحث عن أدب الخيال العلمي العُماني، فلم أجد أحداً كتب عملاً متكاملاً من هذا الصنف.. كاتبُ الخيال العلمي والروائي المصري (ياسين أحمد سعيد)، رئيس تحرير مجلة ومضات المتخصصة في مجال الغرائبيات، قام بكتابة بحث عن أدباء وكُتاب الخيال العلمي العرب، وحينما جاء على ذكر سلطنة عُمان، كتب (محمد قرط الجزمي)، ولم يكتب للأسف اسماً آخر.

• محمد قرط الجزمي.. المتتبع لمشوارك الأدبي سيتعرف على الكثير من الإنجازات المتحققة في واقعك الثقافي والأدبي أهمها إصداراتك الأدبية، والاشتغال الثقافي الذي ورد في صور متعددة، إلا أن ثمة اختفاء حقيقيًّا لهذا المشوار عن الواقع الثقافي في السلطنة بشكل عام، وقد تتفق معي في هذه النقطة، أين محمد الجزمي من هذا الواقع في السلطنة؟ هل نقول إن ثمة تغييباً واضحاً يعيشه المثقف في (مسندم) عن الواقع الثقافي المحلي؟ كيف تجيب على ذلك؟ وما هي ملاحظاتكم على هذا الأمر؟

حُجب محمد الجزمي (إلى حدٍّ ما) عن الوصول إلى بقية المحافظات، من أسباب ذلك بالفعل الجغرافية الانعزالية، ومنها أسباب أخرى يطول شرحها.. على أنني لست محجوباً تماماً، فثمة قُراء من محافظات مختلفة في السلطنة قرأوا بعض أعمالي، بل إن حساب (نُزهة قارئ) في مواقع التواصل الاجتماعية، وهو حساب شبابي ثقافي، يُعنى بالقراءة والكِتاب على وجه العموم، هذا الحساب الذي مقره في مسقط استضافني أكثر من مرة، تعرَّفوا عليَّ من بعض أعمالي فاستضافوني، مما يثبت أنني لستُ مختفيًّا تماماً، وسبق أن أُخذ لي لقاء صغير مع تلفزيون السلطنة، تحدثت فيه بصيغة مختصرة حول الثقافة في المحافظة. هناك أمر آخر أدَّى إلى هذا الغياب المحدود، وهو أن اهتمامي الشخصي للانتشار ككاتب اهتمامٌ عكسي، فأنا لم أهدف مطلقاً إلى أن أنتشر من بلدي، منه أخرج إلى قراء الوطن العربي، بل قمت بالعكس، أنا خرجت إلى الخارج، ومن الخارج أدخل إلى السلطنة.. هذا يتيح الانتشار الأقوى.. الدكتور أحمد زويل لم يُعرف في مصر، بل كان مهمَّشاً فيها، فلما سافر إلى أميركا عُرف فقُدِّر.. يقال أن زمَّار القوم لا يُطرب، أو كما ورد في الإنجيل: لا كرامة لنبيٍّ في قومه. نشرتُ أعمالاً في دول عربية مختلفة؛ لأن الطريق من هناك إلى هنا أكثر ضماناً وقوة من الطريق من هنا إلى هناك.

• في الإطار ذاته.. المثقفون في محافظة مسندم بشكل عام وولاية خصب بشكل خاص لديهم الكثير من الملاحظات التي تعرفنا عليها فيما يتعلق بالشأن الثقافي وارتباطه بالواقع الممتد في بقية محافظات السلطنة؟ ماذا يريد المثقف في هذه المحافظة من المؤسسات المعنية في السلطنة؟
- قبل تاريخ 20 من شهر سبتمبر كان لهذا السؤال جواب مختلف، إذ كانت مطالب المحافظة ثقافيًّا كثيرة.. لكن الآن اختلف الوضع كثيراً. تغير الكثير مع زيارة مجلس إدارة النادي الثقافي إلى خصب، متمثلة بالدكتورة عائشة الدرمكية، والدكتور سعيد السيابي، والدكتورة عزيزة الطائية، اجتمعوا بنا اجتماعين، خاص وعام؛ لمناقشة فكرة إنشاء فرع للنادي في المحافظة. بعد هذه الزيارة بأيام، أُقيم أول معرض للكتاب في مسندم، تضمن الكثير من الفعاليات، وتغطيات إعلامية.. والجدير بالذكر أن الدكتور هلال الحجري، مدير عام الآداب والفنون بوزارة التراث والثقافة، كان له حضور، بل واجتمع بنا اجتماعاً خاصًّا حول احتياجاتنا والنواقص التي من المفترض أن تكتمل.. وبالإضافة إلى كل هذا التقينا برئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية للكُتاب والأدباء، المهندس الشاعر سعيد الصقلاوي، لقاء أدَّى إلى تسجيلنا للحصول على عضوية الجمعية، وإلى طرحِ فكرة إنشاء أسرة للجمعية في مسندم. بعد كل هذا، إذا كنت تسألني عن احتياجات مسندم الثقافية.. كلا، لم تعد لدينا احتياجات في الوقت الراهن بقدر ما أصبحت لدينا تطلعات وآمال، وفريقٌ أُنشىء منذ فترة بسيطة يحاول جاهداً تجسيدَ فكرة فرع النادي الثقافي، والمضي به إلى الأفضل، يساندنا في ذلك عضو مجلس الدولة، الدكتور حسن المدحاني.

• لو نذهب إلى إصداراتك الأدبية سنذهب حتما إلى (من دون مرآة)، وهي رواية من الخيال العلمي الاجتماعي، نشرتها دار الحكمة (مصر) عام 2012، وأعادت الدار العربية للعلوم (لبنان) نشرها عام 2013.. لنقترب بعمق من هذه الرواية؟ نود التعرف على تفاصيلها؟

- نعيش في عصرٍ لم نعد نفهم فيه الإسلام بالطريقة الصحيحة، مما أدَّى إلى أن باع شبابُنا أنفسهم للشيطان وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.. يزعمون أنهم يتقربون إلى الله، وأعمالهم في حقيقتها أبعد ما تكون عن الإسلام. هكذا جاءت (من دون مرآة) توضح كيف علينا أن نتعاطى مع الدين، وتعالج مجموعة من القضايا الاجتماعية؛ علاقة المسلم مع أسرته ومجتمعه وربه.. وأما اللمحة الخيالية العلمية فثمة عقدة في الرواية، حينما يقابل البطل نفسه وجهاً لوجه من دون مرآة.. هنا يتدخل الخيال العلمي ليحلَّ لنا هذه العُقدة.

• وماذا عن رواية (الدماء تعود إلى مجاريها) التي نشرتها الدار العربية للعلوم بـ(لبنان) عام 2012 كونها تتحدث عن القضية الفلسطينية؟ ما هو الجديد فيها؟ وبماذا تختلف عن بقية الروايات التي تناولت هذه القضية؟
- كون (الدماء تعود إلى مجاريها) تتحدث عن القضية الفلسطينية ليس معناه أنها تتحدث عنها من جانب سياسي، أنا لا أنتمي إلى السياسة بتاتاً، بيني وبينها بُعد المشرق والمغرب. بل حاولتُ التعمقَ في المجتمع الفلسطيني إنسانيًّا وأسريًّا، ووضعَ القضية في ميزان إسلامي، وشرحَ معنى الجهاد والشهادة في سبيل الله من منظور يليق بالقضية. ثم إن الرواية لها بُعد إنساني آخر، ألا وهو علاقة الإنسان بالإنسان عموماً، علاقة الديانات بعضها ببعض، كيف من المفترض أن تكون علاقتنا مع هذا أو مع ذاك، هكذا تُحدثنا الرواية، إلى جانب الحبكة والجانب الحركي والإثارة التي لا تخلو الأحداث منها.

• لديك اهتمام كبير بالناشئة.. والدليل على ذلك عملك على إصدار سلسلة روايات بعنوان (الروامح)، وتحمل طابع الخيال العلمي، كيف حاولت التقرب من خلالها لهذه الفئة ذات الأهمية الكبيرة في حياتنا؟ وما هي أهم ركائزها وخصوصيتها؟

- بدايتي الفعلية مع القلم هي فترة نشأتي، وعليه كنت أكتب لنفسي قبل أن أكتب لأي أحد آخر، وحينما تكتب فترة طويلة لنفسك وأنت ناشئ، ثم تكبر وأنت مستمر في الكتابة لذات النفس الناشئة، عندها تكون الكتابة لهذه الفئة أقربَ إليك، وأحبَّ إلى نفسك، خاصة مع افتقار المكتبات إلى الأقلام التي تهتم بهذه الفئة العمرية، التي لا هي طفلة فيُعتنى بها، ولا هي شابة فتية فيؤخذ بيدها، إنما هي بين البين، ودائماً الـ(بين بين) هؤلاء مُهمَّشون منسيون. فإذا كنتُ أكتب بين الحين والآخر لفئة الناشئة؛ فلأنها فئة ترسم حدود المستقبل، ونضجهم نضجٌ للمستقبل ذاته.

• (الشيطان يلهو)، عنوان لرواية خيالية علمية، نشرتها دار سما (الكويت) عام 2016، وعند تتبعي لدور النشر التي قامت بطباعة أعمالك أرى إنك ابتعدت عن المؤسسات العمانية التي قد تتولى طباعة أعمالك أو حتى تلك التي تقوم بدعمها كوزارة التراث والثقافة والمنتدى الأدبي والنادي الثقافي وغيرها من المؤسسات الثقافية.. لماذا كل هذه القطيعة بينك وبين بقية المؤسسات؟ ما هي أسبابها؟ هل نقول الواقع الجغرافي قد يكون سببا في الأمر؟

- هنا نحن لا نتَّهم الواقع الجغرافي اتهاماً مباشراً في حقيقة الأمر، إنما هو توجُّه محضٌ من طرفي إلى النجاح والتفوق بأفضل مستواه.
دعونا نعترف أن دُور النشر العمانية لم تصل إلى المستوى المطلوب، وعليه كان من الضروري أن أبحث عن دار نشر تكون لها قوة انتشار ترضيني. هناك دور نشر لا تكتفي بمعارض الكتاب، إنما تصل إلى مكتبات ومؤسسات كافة الوطن العربي، وتباع إصداراتها في مواقع الإنترنت بأسهل وأبسط الوسائل، بل وتجاهد ليُكتب عن كتبك في الصحف الكبرى. أما إذا جئنا نتحدث عن إصدارات دور النشر العمانية، نلاحظ أنها ترى النور في نطاق محدود من مكتبات السلطنة وأرفف معارض الكتاب، أما دون ذلك فلا نكاد نرى لها نوراً إلاَّ فيما ندر. قد لا يعرفني كثيرٌ من القراء العُمانيين، وهذا حق.. لكن تصلني بين الفينة والأخرى آراء من قراء في دول مختلفة.. لديَّ قراءٌ من مصر، تونس، الجزائر، ومن فلسطين وغيرها، بل إن بعض مؤلفاتي وصلت أستراليا.. هذا الانتشار، وإن كانت أعداد نُسخها بسيطة، لكنه يثلج الصدر. وحينما نشرت (الشيطان يلهو)، اخترت دار نشر لها باعٌ في مجال الخيال العلمي، من المنطق تماماً أن أتجه إليها وأنا مطمئن أن الرواية بين أيدٍ أمينة.

• وكيف تقرأ علينا هذه الرواية وتخبرنا بماهيتها؟
- هل يكتب الكاتب إلاَّ عن نفسه؟ يجري الشيطان فينا مجرى الدم، فإذا لم نكتب عن الشيطان فإننا لم نكتب عن أنفسنا!، جاءت الفكرة وأنا عائد من تايلند عام 2010م، حيث أزعم أنني قابلت هناك الشيطان بنفسه في أكثر من بقعة، مرتدياً أكثر من رداء.. فينما كنت في الطائرة أسترجع ما رأيته في ملهى إبليس، راودتني فكرة القارة التي تُبنى في المستقبل وفيها شرور العالم مجتمعة، يدخلها أبطال الرواية كلُّ واحد له غاية في نفسه، وتدور هناك الأحداث، ومن ذلك كُتبت (الشيطان يلهو)، التي قد يكون لها جزء ثانٍ مستقبلاً، وقد لا يكون.

• لديك مكتبة "ذات أفنان" في ولاية خصب، وهي المكتبة الوحيدة التي تبيع وتُعير الكتب، مع تلبيتها لطلبات الكتب غير المتوفرة في الولاية، كذلك تقيم مسابقات ثقافية بين الحين والآخر.. تم افتتاحها في شهر مايو عام 2017.. لنتحدث عن هذا المشروع الثقافي وأهدافه التي يسعى إليها؟ وماذا عن الخطط المستقبلية وآليات اندماجه في المجتمع الثقافي؟ هل نقول إن ثمة خطة عملية سنراها مستقبلا تعزز مكانة "ذات أفنان" خارج الإطار الجغرافي لولاية خصب؟

- قدمت استقالتي كفني مختبرات من وزارة التربية والتعليم وقررت إنشاء هذه المكتبة، التي أدَّعي أنها في اتجاهها بعد عون الله تعالى إلى أن تكون صرحاً ثقافيًّا في الولاية أولاً، وفي المحافظة ثانياً، ولا يمنع مستقبلاً أن تتجاوز هذه الحدود فتدخل بقية المحافظات، ينبع النجاح من الثقة بالنفس، وبالنظر إلى المستقبل نظرة متفائلة عملاقة. صباح هذا اليوم الذي أكتب فيه هذه الكلمات قمنا بنشر إعلان (مسابقة ذات أفنان الثانية)، وجوائزها القيمة مساهمة من مشرف مركز مصادر التعلم في المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة مسندم؛ الأستاذ طارق الشحي، وقد اخترنا تاريخ 18 من ديسمبر المقبل كي يكون يوم إعلان النتائج، وذلك ليوافق اليوم العالمي للغة العربية. وفي واقع الأمر، هذه المسابقة لا تعود للمكتبة بالنفع المادي، لكنها من القوة بمكان بحيث تنفع المنطقة وتحركه الحراكَ الثقافيَّ المناسب بإذن الله.

• ما هو الجديد الذي سنتعرف عليه قريبا في مشوار الكاتب محمد قرط الجزمي؟

- الجديد القادم بإذن الله مجموعة قصصية بعنوان (أنثى بطعم السكر)، سبق أن أعلنتُ عنها، لكنها تأخرت لأسباب يطول شرحها.. لن تصدر في معرض الشارقة للكتاب القادم، لكن بإذن الله لها موعد آخر قريب. هناك كذلك (لنتسلَّ بالخوف قليلاً)، كتاب خفيف بسيط، فيه مقالات متفرقة عن الخوف، وتجارب شخصية، وأخرى غير شخصية، عن مواقف الرعب في منطقتي، بالإضافة إلى وصف لثيمات رعب معروفة، كتبتها بصورة أدبية؛ مؤمناً أن الحديث عن الرعب له فوائده في بناء الشخصية، وقد وضَّحت هذا الأمر في الكتاب.. أتوقع له الصدور في معرض الشارقة القادم بإذن الله، إصدار دار جميرا للنشر.