كنت في طريقي إلى البلد. عندما حان وقت صلاة المغرب، ركنت سيارتي واتجهت إلى المسجد. صادفت صديقا قديما لم ألتق به منذ أعوام. وكعادتنا سألنا بعضنا عن (العلوم). وعندما بدأ الحديث عن أخبار العمل، عندها فُتحت الأبواب على مصراعيها، أو كأن سدا متهالكا انفجر من صدر صديقي ليعبر عن الوضع الذي يمر به في الشركة التي يعمل بها من الناحيتين الإدارية والمالية ـ المزري ـ حسب رأيه. تحدثنا كثيرا حول الأوضاع. ثم قال لي: "أشكرك كثيرا لأنك تركتني أتحدث.. هذا الأمر يجعلني أرتاح نفسيا".
لا يبدو الأمر غريبا بالنسبة لي، فكثير من الأشخاص الذين ألتقي بهم، متذمرين من أشياء كثيرة قد يكون أكثرها بيئة العمل. وقد يقول أحدهم أنه لا يحب المتذمرين فالتذمر طبيعة لكثير من الأشخاص أو الموظفين وهي طاقة سلبية يبثها المتذمرون قد توجد جوا يترتب عليه تذمرا عاما، والتي بإمكانها أن تؤثر على الإنتاج سلبيا. وأتخيل أن ذلك لا ينطبق في بيئات العمل التي تكسر الحواجز الجليدية بينها وبين الموظفين من خلال التواصل الشفاف والصادق بشكل روتيني ومستمر. والذي تحكمه الحكمة أكثر من الأهواء الشخصية والانفعالات الشديدة التي قد لا تفضي إلى شيء بل قد تزيد الطين بلة.

وقد تأتيك دراسة، أخرى تفيد بأن من يخفون مشاعرهم يظهر عندهم ارتفاع في معدل دقات القلب وهو ما يتسبب بضغط الدم على المدى الطويل إضافة إلى ارتفاع احتمال الإصابة بأمراض القلب، والسرطان والفشل الكلوي. لذلك أتخيل أن المستائين (فعليا) والذين يعبرون عن آرائهم سيكونون أفضل صحيا من جميع الأطراف كونهم يعبرون ويخرجون ما في جوفهم من معاناة.
لذلك ربما تحتاج بعض المؤسسات إلى برنامج خاص ليتركوا الموظفين يستاؤون بطرق مختلفة، وأن يكون لهم آذان صاغية، فقد يريحهم ذلك، وربما تستغل لقياس مستوى ونسبة التذمر والاستياء لدى الموظفين بشكل عام، ومعرفة أبرز الأسباب وراء الاستياء وإيجاد الحلول لها! بدلا من أن يبلغ السيل الزبى.
أيضا هنالك دراسة أخرى تقول إن المرأة كثيرة الاستياء قد تكون سببا في وفاة زوجها مبكرا! وربما الأمر نفسه يحصل مع الموظف والرئيس، فقد يكون الموظف المستاء سببا في وفاة رئيسه مبكرا باستيائه! لذلك يفضل الكثير من الرؤساء الابتعاد عن كل شيء قد يزعجهم! خوفا من أن يموتوا مبكرا! وبدل الموظف سيأتي عشرات غيره!! ويستمر الاستياء..

محمد بن سعيد القري