يضم سيرة الشاعر النعماني وأبوابا في الشعر الشعبي
مسقط ـ العمانية:
ارتبطت التجربة الشعرية العمانية الشعبية بالذاكرة الشفهية، حيث ظل الكثير من القصائد الشعبية حبيسة المرويات الشفهية متنقلة عبر الأجيال عن طريق الرواة الذين حفظوا عددًا هائلا من النصوص الشعرية والحكايات والقصص على مختلف مناسباتها وأغراضها.
وبرغم الجهود التي بذلك في سبيل تدوين تلك المرويات إلا أن هناك الكثير الذي ضاع، وقد ساهمت المناسبات الشعبية كالاحتفالات الشعبية واللقاءات الشعرية في استعادة الكثير من النصوص الشعرية الشعبية المرتبطة بفنون الرزحة وغيرها من الفنون العمانية العريقة.
ومن بين التجارب الشعرية التي لقيت اهتماما من الباحثين في مجال الشعر الشعبي العماني، تجربة الشاعر خلفان بن سعيد النعماني الملقب "بالعظم" الذي عاش بين عامي 1914م وحتى 1990م. وقام الشاعر محمد بن حميد الحارثي بجمع النصوص الشعرية للشاعر النعماني وشاركه في تحقيق النصوص الشاعر خميس بن جمعة المويتي، وأشرف على هذا المشروع كل من عبدالله بن محمد النعماني ومحمود بن محمد النعماني. وقد صدر ديوان "العظم" (255صفحة) في العام 2016م عن مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان وضم سيرة للشاعر النعماني وخمسة أبواب هي الوطنيات والمناسبات، والمحاورات، والمراسلات، والوجدانيات، والغرود. الشاعر حميد بن محمد الحارثي جامع ديوان "العظم" هو ممن تتلمذوا على يد الشاعر النعماني حيث يقول الحارثي إن قصائد النعماني ساهمت في دفعي نحو التأليف وقرض القصيد، عليه رأيتني ملزما بجمع أشعاره وقصائده في ديوان مستقل لذلك سعى الحارثي إلى جمع التراث المتناثر "للعظم" بين الشرقية والباطنة والتقى بمحبيه وحفاظ شعره حتى أولئك الذين يحفظون البيت أو البيتين أو القصيدة والقصيدتين. ويضيف الشاعر الحارثي إن شاعرية العظم قد تجاوزت حدود عمان، ففي أثناء عمله في المملكة العربية السعودية نظم الكثير من قصائده التي نثر فيها قصة حياته واغترابه وشكلت تجربة الغربة والانتقال مكانة مهمة في التجربة الشعرية للعظم حيث ساهم رحيله من مسقط رأسه في ولاية بركاء إلى الشرقية الدور الأبرز في تفتح شعريته وتجويد كلماته. ويلفت الشاعر الحارثي:- نظرنا إلى جانب مهم في تجربة النعماني ألا وهي موسوعية العظم حيث كان " شاعرًا موسوعيًا فلم يتخصص في فن معين بل كتب في جميع الفنون، وكل البحور والأوزان، وطارح الكثير من الشعراء البارزين أمثال الشاعر علي بن سيف البوسعيدي، والشاعر محمد بن سليمان البوسعيدي، والشاعر سلطان بن مالك وغيرهم كثير وكانت بينهم مراسلات كثيرة".
ونجد الشاعر خميس بن جمعة المويتي يتحدث عن العظم قائلاً بأنه:" شاعر لا يبارى ولا يجارى، نفَسه طويل المدى، برع في فنون الشعر المختلفة حضريها وباديها، يوظف المفردات بتجانس عجيب، فكان شعره سمر الجالسين وحداء المسافرين، لقد عبَّ العظم من تراث الساحل في مسقط رأسه بركاء، وأشبع نهمه من تراث الشرقية في شريعة سمد الشأن، وتغاير المناخ الحضاري في البيئتين صنع منه شاعرا موسوعيا (فنا وكلمة)، تعلمه للقرآن والقراءة والكتابة جعل من شعره موشى رصانة وحكمة". ولد الشاعر العظم في ولاية بركاء في حلة النعمان وكانت ولادته في 1914م على وجه التقريب، حيث قضى فيها مرحلة الطفولة وجزء من مرحلة الشباب، وفي سن الخامسة والعشرين غادر بركاء إلى المضيبي ليستقر في الأفلاج حيث قضى هناك عامين ثم انتقل إلى سمد الشأن حيث مكث هناك في بلد الشريعة إلى أن وافاه الأجل، كما أن الشاعر النعماني اضطر بحثا عن الرزق للذهاب إلى المملكة العربية السعودية حيث عاش في الإحساء لمدة ثماني سنوات ثم عاد إلى الشريعة مرة أخرى. وقد أصيب الشاعر بفقد بصره وهو في الستينات من عمره إلا أن ذلك لم يكن عائقا له أمام مشواره.
ويتوزع ديوان العظم بين مختلف فنون الشعر وأغراضه، نجد فن المقصب، والعازي والمسبع والتغرود والميدان، وفنون الرزحة المختلفة (الناحية الطويلة والقصافيات)، كما نجد ان الشاعر برع في فن المساجلات الارتجالية حيث نجد في الديوان توثيقا لعدد من تلك المساجلات، كما تبادل الشاعر عددا من مقاصب المراسلات مع عدد من الأنداد الشعريين، حيث وردت هذه المقاصب كردود من الشاعر أو كنصائح أخوية أو ألغاز يطلب لها حلا لها وهذه غالبا ما يوجهها لطلابه الذين يتعلمون فن الشعر الشعبي منه. كما ضم الديوان مجموعة من القصائد التي تبادلها مع إخوانه وخلانه تنم عن موهبة شاعرية فذة كما نجد في شعره مساحة واسعة للغزل، وصدحت قريحته بقصائد يتغنى فيها بالوطن والحنين إلى مرابع الصبا. وللنعماني عدد من الشعراء الذين تخرجوا من بين يديه مثل الشاعر سالم بن سعيد النعماني والشاعر محمد بن حميد الحارثي، والشاعر سعيد بن سليمان الجهضمي. أما الشعراء الذين عاصروا تجربته فنجد منهم الشاعر سعيد بن سالم الجهضمي، والشاعر سلطان بن مالك الحارثي والشاعر محمد بن سليمان البوسعيدي. وكانت وفاة الشاعر خلفان بن سعيد النعماني الملقب "بالعظم"في الثالث والعشرين من ذي القعدة 1410هـ الموافق 10/7/1990م ودفن في بلد الشريعة من سمد الشأن. وقد خلف لنا تراثا شعريا يستحق الدراسة المعمقة.