[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
”.. يمكن القول بان الدول المحورية في الشرق الاوسط هي مجموعة الدول التي قدر لها ان تكون في موقع جغرافي يؤهلها للعب دور محوري قادر على التحكم في توجهات وطموحات بقية اللاعبين الجيواستراتيجيين في المنطقة من جهة, ويساعدها على امتلاك الأدوات المؤثرة في تحديد النفاذ إلى مناطق مهمة من الشرق الاوسط أو حجب تلك الموارد عن لاعب جيواستراتيجي مهم او يطمح ليكون كذلك في هذه البقعة الجغرافية من العالم من جهة أخرى.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يبدو ان البنية المتطورة للسياسة الدولية المعاصرة في القرن 21 قد خلفت وراءها الكثير من الآثار السياسية والانعكاسات الجيوسياسية الخطيرة على رقعة الشطرنج العالمية ككل, وعلى خارطة الشرق الاوسط على وجه الخصوص. وهو ما تؤكده جملة الاضطرابات والفوضى المتزايدة كل يوم واشكال الصراع ومسارات السلطة وطموحات النفوذ والهيمنة بين دول هذه البقعة الجغرافية من رقعة الشطرنج الدولية. ما يشير بدوره إلى ملامح النظام العالمي القائم على التشكل منذ مطلع هذا القرن من مجموعة من التوجهات العالمية الكبرى ( ) التي يبدو أنها ستتحكم بملامح العلاقات والسياسات الدولية بين مختلف دول العالم بوجه عام , وبين دول وشعوب منطقة الشرق الاوسط خلال العقود القادمة على وجه التحديد. وعلى رأسها صراعات القوى الاقليمية وتراجع المركزية الاميركية.
على اعتبار ان منطقة الشرق الاوسط تشكل البقعة المحورية الدولية الأكثر سخونة وتأثيرا واضطرابا في السياسة الدولية المعاصرة والنظام العالمي القائم. ومن جملة ما اشارت إليه بقوة تلك التوجهات السياسية الكبرى في الشرق الأوسط, ظهور ما يمكن ان يطلق عليه بصراع المحاور الجيوبوليتيكية في مواجهة القوى الإقليمية التي يطلق عليها باللاعبين الجيواستراتيجيين. ويعرف بريجنسكي المحاور الجيوبوليتيكية بأنها تلك (الدول التي لا تستمد اهميتها من قوتها ودوافعها - فقط. انما من موقعها الحساس والنتائج التي تترتب على الهشاشة الضمنية لظروفها وكونها عرضة لتصرفات اللاعبين الجيوستراتيجيين)( ). كما يعرف كتاب صعود وسقوط القوى العظمى لكل من المؤرخ بول كنيدى والمؤرخان روبرت شاس، واميلى هيل الدول المحورية بأنها: (بقعة جغرافية ساخنة لا تحدد فقط مصير اقليمها بل انها تؤثر ايضا على الاستقرار العالمي)( ).
عليه يمكن القول بان الدول المحورية في الشرق الاوسط هي مجموعة الدول التي قدر لها ان تكون في موقع جغرافي يؤهلها للعب دور محوري قادر على التحكم في توجهات وطموحات بقية اللاعبين الجيواستراتيجيين في المنطقة من جهة, ويساعدها على امتلاك الأدوات المؤثرة في تحديد النفاذ إلى مناطق مهمة من الشرق الاوسط او حجب تلك الموارد عن لاعب جيواستراتيجي مهم او يطمح ليكون كذلك في هذه البقعة الجغرافية من العالم من جهة أخرى.اما بالنسبة للدول التي تشكل مجموعة اللاعبين الجيواستراتيجيين وكما يعرفهم بريجنسكي بأنهم مجموعة الدول التي (تمتلك القدرة والارادة الوطنية اللازمتين لممارسة النفوذ. أي التأثير فيما وراء حدودها لغرض تبديل الوضع الجيوبوليتيكي القائم إلى الحد الذي يؤثر على مصالح – العديد من الدول - ,وتكون لها الإمكانية والاستعداد للاشتعال الجيوبوليتيكي)( ) بغض النظر عن موقعها او مساحتها الجغرافية. أو حجم نفوذها السياسي في منطقتها .
على ضوء ذلك فإن هذه الفكرة تفترض حتمية حدوث صراع في منطقة الشرق الأوسط بين لاعبين يمثلون الدول الجيوستراتيجية " الدول الطامحة للهيمنة والقوة والسلطة "وهي دول ذات نزعة قومية او توجه ايديولوجي أو رسالة دينية أو مقاصد اقتصادية هادفة إلى الحصول على السيطرة الاقليمية او المكانة العالمية. وتلك الدول المحورية "الدول الإقليمية الكبرى والقوى الجغرافيا المحورية " التي تمثل في الأصل السيادة والسلطة القائمة او القوة السياسية والجيوسياسية التي تملك مفاتيح النفاذ والسلطة إلى هذه المنطقة. وان هذا الصراع سيكون اقرب إلى خليط غير متجانس من سياسات التمرد الناعم على النظام الدولي القائم ككل. وعلى مجموعة تلك الدول التي تمثل تلك المحاور الجيوبوليتيكية في الشرق الأوسط.
بمعنى آخر. ان الدول التي تمثل اللاعبين الجيوستراتيجيين الطامحين إلى تغيير وتبديل الوضع الجيوبوليتيكي القائم وراء حدودها إلى الحد الذي يحسن من وضعها الاستراتيجي ويمكنها من الحصول على الأوراق الرابحة في هذه المنطقة لتحقيق طموحاتها متعددة الاهداف والتوجهات. وعلى رأسها امتلاك السلطة والقوة السياسية والجيوسياسية عبر السيطرة على مصادرها الناعمة والصلبة بمختلف الطرق الشرعية وغير الشرعية. أو على اقل تقدير حماية كياناتها السياسية والجغرافية من تطرف الدول الكبرى الاستبدادية. وكذلك من طموحات واهداف دول إقليمية محورية يتزايد نفوذها وقتها كل يوم مع التراجع المستمر للمركزية الاميركية في منطقة الشرق الأوسط.
وفي العادة يتشكل هذا الوضع بعد تغيرات سياسية مستمرة وصادمة في بقعة جغرافية معينة لمدة زمنية تقارب العقدين من الزمن على اقل تقدير. تتشكل خلالها تلك التحولات من احداث سياسية عشوائية غير متوقعة كالانقلابات العسكرية والثورات الجماهيرية والحروب التي تستنزف الموارد المادية والبشرية, والأزمات الاقتصادية وضعف السيادة المركزية, ما يرتب بدوره بعض الأوضاع الاستثنائية كبروز بعض القوى وتراجع بعضها الاخر. كما ستكون تلك الدول مدفوعة بنزعة تمرد رافضة لنظام القوى الكبرى او المحورية القائم على التراجع أصلا باتجاه رفض العديد منها الالتزام بما يتوقعه منها الفاعلون الكبار والمسيطرون على رقعة الشطرنج الكبرى والمجتمع الدولي.
وبمعنى آخر, خروج الدول "الجيواستراتيجية" من عباءة النظام العالمي الذي تتحكم به القوى الكبرى في العالم كالولايات المتحدة الاميركية وروسيا من جهة. والدول المحورية في منطقتها من جهة أخرى. كما يشير الى ذلك فريديريك شاريون, أستاذ العلوم السياسية بجامعة اوفيرن ومعهد الدراسات السياسية في باريس. من ان سنوات القرن 21 شهدت تطور هذه الفكرة (وبقيت علة وجود المعارضة تتمثل حتما بالمحافظة من خلال خطاب دولي قوي يؤدي أيضا الى تعبئة داخلية على نموذج وطني من التنظيم السياسي تريد الدول المهيمنة لا سيما الاميركية الشمالية والأوربية ان تجعله يخبو. ولكن بالنسبة إلى دول كثيرة يحوك التجمع معا وسط انتقادات الدول الغربية الكبرى روابط جديدة بين هذه الدول, وقد سجلت قواسم مشتركة من جهة وحركات تضامن من جهة أخرى تقوم اليوم بين مثيري القلاقل المفترضين هؤلاء أكثر بكثير مما كانت تقوم في الماضي) ( ).
على ضوء ذلك يمكن التأكيد ان من ابرز الآثار والانعكاسات التي ستخلفها تلك التحولات السياسية والجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط انطلاقا من فكرة الصراع بين القوى "الجيواستراتيجية" والقوى " المحورية " هي ان هذه البقعة من رقعة الشطرنج العالمية ستشهد خلال الفترة الزمنية القادمة 2018- 2030م أسوا أشكال العلاقات والسياسات بين دول وشعوب المنطقة نظرا لكثافة وعمق التدخلات المتبادلة بينها, والتي ستحمل في طياتها ملامح فترة زمنية هي من وجهة نظري ستكون الأكثر سوءا في حقل العلاقات الدولية. يضاف إلى ذلك ارتفاع سقف السياسات القائمة على تدخل دول المنطقة في شؤون بعضها البعض عبر مختلف اساليب القوة الناعمة منها او الصلبة كالتدخلات العسكرية والاستخباراتية وتناقل الثورات وإضعاف الاقتصاد ونشر الاضطرابات والقلاقل الهادفة الى التأثير فيما وراء حدودها لغرض تبديل الوضع الجيوبوليتيكي القائم لصالحها. إلى الحد الذي سيؤثر على مصالح واستقرار وسيادة الآخرين كما سبق واشرنا.