[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
جاءت كلمة الأمين العام المساعد للشؤون القانونية بجامعة الدول العربية السفير الدكتور فاضل محمد جواد في الجلسة الافتتاحية لأعمال الاجتماع الثالث للجنة المشتركة من خبراء وممثلي وزارات العدل والداخلية العرب لدراسة الاتفاقية العربية لتنظيم أوضاع اللاجئين في الدول العربية، جاءت متناغمة في موسيقاها وحانية في معانيها، غير أنها ربما لم تجد وعاءً يستوعبها لدى قلوب اللاجئين العرب الذين قصدت الجامعة مخاطبة قضاياهم!
كان بالإمكان أن يكون لتلك الكلمة صداها الأقوى لدى اللاجئين والمراقبين معاً خصوصاً عندما أكد الرجل بقوله: "أهم ما يشغل بال العالم هو مشكلة تدفق اللاجئين بمقاييس لم تشهدها الألفية الجديدة"، وكذلك عند دعوته للدول العربية إلى إيجاد حلول جذرية على يد "خبراء ذوي بصيرة".، وأيضا عندما شدد على أهمية عقد اتفاقية عربية لحل مشكلة اللاجئين تتضمن أحكاما تسمح لهم بالتقدم!
تلك "دعوة وتأكيد وتشديد"رغم أنها مفردات منسجمة مع ما درجت عليه الجامعة من مفردات مكررة مثل ندين ونندد ونستنكر ونرفض، ولكن كان بالإمكان أن تكون لها فاعلية وتأثير أكثر لو صدرت عند بداية تدفقات اللاجئين العرب نحو البحار ليشقوا أمواجها واضعين المجهول أمامهم والموت المؤكد بأسلحة الصراعات الفتاكة خلفهم .. وفي الخلف أيضا جامعة متقاعسة عن اتخاذ مايلزم من قرارات لحمايتهم، أو على الأقل لاستيعابهم في مخيمات تحمل في بواباتها اسم جامعة الدول العربية.
ولكن ولحسن حظ اللاجئين العرب، وجدوا في الشواطئ الأخرى من الجهة المقابلة من حيث انطلاقتهم، قلوب الأوروبيين تفيض حناناً ورأفة وعطفاً رغم بعض التجاوزات أو ما يمكن تسميته بالهنات الصغيرة تجاه التعامل مع اللاجئين في الشواطئ الأوروبية. وفي الوقت نفسه ظلت جامعة الدول العربية في وضع أشبه بوضع المتفرج طيلة تلك الفترة حتى تجاوز عدد اللاجئين والمهاجرين حسب المفوضية العليا للاجئين إلى أكثر من مليون مهاجر ولاجيء بينهم عرب وأفارقة وأفغان وغيرهم.
وبعد أن فتحت أوروبا الملاجئ، بل شرعت بعضها كألمانيا أبوابها مستوعبة اللاجئين والمهاجرين في مؤسساتها الاقتصادية وفق رؤيا اقتصادية واجتماعية عميقة وبعيدة المدى إيمانا من القائمين على الفكر الاقتصادي فيها، بأن هؤلاء النازحين ربما يكون بينهم مبدعون وذوو مهارات تساعدهم على الابتكار الذي يمكنه أن يشكل إضافة للاقتصاد الألماني، ظلت جامعة الدول العربية مستمرة في مكانها، متناسية جزءاً كبيراً من دورها وهدفها الهام الذي أنشئت من أجله قبل أكثر من سبعين عاما مضت، ألا وهو : أن تسعى الجامعة إلى توثيق الصلات بين الدول العربية وصيانة استقلالها والمحافظة على " أمن المنطقة العربية وسلامتها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية".
لقد استمرت جامعة الدول العربية طيلة تلك الفترة وهي في حال أشبه بحال المتقاعس عن دوره ، ففرطت المنطقة العربية في الكثير من طاقاتها الاقتصادية عبر الهجرة واللجوء .. وهي أي الجامعة يفترض فيها العمل على الحفاظ على السلامة الاقتصادية للدول العربية، في حين أن المهاجرين هم جزء من المكون الاقتصادي للدول العربية. كما أنها صرفت النظر عن دورها في حماية المنطقة في المجال الثقافي، في حين أن مئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين العرب سيتخلى بعضهم عن ثقافته العربية في أوروبا إما خوفا من أن يوصم بصفة إرهابي، أو عشما في الاندماج وقبول الآخر له في أوروبا كونه مهاجراً. أما اجتماعيا وصحيا فهما جانبان تمت إصابتهما بالشروخ الاجتماعية والجروح البدنية والأمراض والعلل كنتيجة للتيه والتشرد والغوص والسباحة بلاهدف ... وكل ذلك والجامعة كانت تتفرج.
ولكنها فاقت الآن من غفوتها الطويلة، واستيقظت بقوة عبر كلمة أمينها العام المساعد للشؤون القانونية لتعترف بتعقيدات أزمة ظاهرة تدفق اللاجئين عبر الدول العربية، ولتدعو أعضاءها لإيجاد حلول جذرية لتلك الظاهرة .... وعلى كل حال فهي خطوة جيدة ومطلوبة قبل فوات أوانها ولو بمنطق أن تأتي متأخراً خير من أن لاتأتي. .. ولعل تلك الخطوة تجيب عن التساؤل هل تبقى لجامعة الدول العربية دور لحماية اللاجئين والتصدي لهذه الظاهرة الإنسانية .؟