[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
” وكالات الأنباء التي تهتم بمثل هذه الأخبار وتعيد نشرها، ليس كأخبار وإنما ترش عليها ما ترغب من زيادات مطلوبة أو معلومات مقصودة، فمثلا إبراز زيادة في الحذر في نشر اعتقادات خبراء في الإرهاب عن تطورات في أساليب عصابات الخلافة المزعومة وتمويلها وتجهيزاتها، وتضيف لها تهديدات أصدرها التنظيم مؤخرا عبر بيان موجه لعدة بلدان، يوصي فيه المسلمين بالابتعاد عن الأماكن المزدحمة، ”


بعد الانتصارات العسكرية للقوات المسلحة، بكل صنوفها، في العراق وسوريا على تنظيم ما اختصر إعلاميا بـ"داعش" وداعميه ومروجي خرافاته، وانحسار المساحات الجغرافية له في هذين البلدين الرئيسين لاعلانه فيهما دولة خلافة وحاضنة لآلاف من الإرهابيين من العديد من البلدان في أركان المعمورة، إضافة للتجنيد المحلي أو الانتماء الحاضن له في البلدين، كثرت التحذيرات عن هروب من يبقى حيا من هؤلاء إلى بيئاتهم الأصلية الأولى، كما كثرت الخطابات التي تزعم فيها التخمينات والتقديرات لأعدادهم أو أماكنهم التي يتوجهون إليها.
حسب وكالات الأنباء (2017/6/9 ) حذر تقرير لمجلس الأمن الدولي من أن عودة إرهابي "داعش" وغيره، من سوريا والعراق، إلى بلدانهم، تهدد السلام والأمن العالميين. ورجح التقرير الذي نشر مؤخرا، انخفاض أعداد المقاتلين الأجانب والتحاقهم بالتنظيم في مناطق الصراع!، وأن عدد المقاتلين في صفوف تنظيم داعش يتراوح بين 12 إلى 20 ألف مقاتل. وأشار مجلس الأمن إلى أن التهديد الرئيسي للأمن العالمي الآن هو "عودة هؤلاء المتشددين إلى بلادهم، أو خروجهم من مناطق الصراع إلى مناطق أخرى". وأشار التقرير إلى أن مصادر تمويل التنظيم المتطرف باتت حاليا في مستويات حرجة، إذ يحاول الإرهابيون الحصول على مصادر التمويل من بيع النفط، واللجوء إلى أساليب الابتزاز.
وكالات الانباء التي تهتم بمثل هذه الأخبار وتعيد نشرها، ليس كأخبار وإنما ترش عليها ما ترغب من زيادات مطلوبة أو معلومات مقصودة، فمثلا إبراز زيادة في الحذر في نشر اعتقادات خبراء في الإرهاب عن تطورات في أساليب عصابات الخلافة المزعومة وتمويلها وتجهيزاتها، وتضيف لها تهديدات أصدرها التنظيم مؤخرا عبر بيان موجه لعدة بلدان، يوصي فيه المسلمين بالابتعاد عن الأماكن المزدحمة، مثل الأسواق والشوارع والساحات العامة، تجنبا للتفجيرات التي تخطط لها عناصر التنظيم، وخص بالذكر: بلجيكا، الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وإيطاليا. ومثل هذه المعلومات التي تقدمها الوكالات لا تكون بريئة أو مجرد أخبار وتسريبات.
كان وزير الحرب/ الدفاع الأميركي جيم ماتيس قد صرح في مؤتمر صحافي في البنتاجون يوم 2017/5/20 بأن بلاده تعمل على منع عودة الإرهابيين إلى بلدانهم. مؤكدا أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أمرت بشن حملة لتصفية "الجهاديين"! في العراق وسوريا للحد قدر الإمكان من عدد المقاتلين الأجانب الذين يعودون إلى بلدانهم.
وأوضح ماتيس أن “حملة التصفية” هذه تعني أن تطوّق قوات التحالف مواقع تنظيم داعش قبل مهاجمتها، حتى لا يتمكن الإرهابيون من الفرار او التجمع في مكان آخر. واضاف باختصار: “هدفنا هو ألا يفر المقاتلون الأجانب”. كما أكّد ماتيس ان المقاتلين الأجانب يشكلون تهديدا استراتيجيا سواء عادوا إلى تونس أو إلى كوالالمبور أو باريس وديترويت أو غيرها.
أما وكالة تاس الإخبارية فقد أفادت(2017/10/24 ) عن مصادر إعلامية بعودة نحو 425 بريطانيا إلى المملكة المتحدة، شاركوا في أعمال قتالية بسوريا في صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي. ونقلت عن الاستخبارات البريطانية بان عدد الأعمال الإرهابية التي يتم تنفيذها بمساهمة تنظيم "داعش" يستمر في الازدياد، وإن جميع العائدين من مناطق القتال يشكلون خطرا على أمن بلدانهم. وكانت الأجهزة الأمنية البريطانية أعلنت في وقت سابق أنها فتحت 500 قضية جنائية بحق 3000 شخص متورطين بشكل أو آخر بالنشاط المتطرف. وأكدت المصادر أن تركيا تشغل المرتبة الأولى، من حيث عدد المواطنين الذين عادوا إلى وطنهم بعد مشاركتهم في القتال بصفوف "داعش"، وقد عاد إلى أراضيها 900 مواطن. وتليها كل من تونس (800)، والسعودية (760)، وبريطانيا (425)، وروسيا (400)، وألمانيا (300)، وفرنسا (271).
واضح من الأرقام، إذا كانت دقيقة، أنها مرصودة من قبل أجهزة المخابرات والأمن التابعة للدول التي شارك مواطنون منها في جرائم " داعش". وأن التحذيرات منها لا تبتعد عن الأهداف الغربية منها، خصوصا، ما قاله ماتيس عن تصفيتها في مواقعها أولا، قبل عودتها، ولم يتطرق إلى العوامل التي وفرتها حكومته وتوابعها لها، سواء في بلدانها الأصلية أو التسهيلات الكبيرة التي دعمتها ويسرت سبل تحركها وتمويلها وحتى أفعالها وجرائمها.
كرست صحيفة التايمز البريطانية
( 2017/10/24) مقالا افتتاحيا حول هذا الموضوع، شددت فيه على أن من تسميهم بالجهاديين (!) الذين يعودون إلى بريطانيا من ميادين القتال في سوريا والعراق قد شاركوا في أعمال وحشية هناك ويجب أن يعاقبوا بما يتناسب مع ذنبهم هذا. وتنطلق الافتتاحية من تصريحات روري ستيوارت، وزير الدولة البريطاني لشؤون التنمية الدولية، التي وصف فيها المتطوعين "الجهاديين" بأنهم جعلوا من أنفسهم أهدافا مشروعة لضربات قوات التحالف الجوية، وشدد فيها على ضرورة قتل المقاتلين البريطانيين الملتحقين بتنظيم "داعش"! في سوريا بدلا من السماح بعودتهم إلى بريطانيا. وذكرت الصحيفة أن موقف الوزير اصطف مع موقف الإدارة الأميركية التي أعلنها وزير الحرب. ودعت الصحيفة، استنادا إلى وضوح التصريحات التي تعكس حقيقة بسيطة لما تسميهم "بمقاتلي دولة" انهم جعلوا من أنفسهم عدوا لبريطانيا، إلى عدم الترحيب أو التساهل مع من ينجون من القصف الغربي ويعودون.
وبينت الصحيفة أن عدد العائدين منهم إلى بريطانيا ما زال غامضا، لكن خلال الأعوام الأربعة الماضية ضم "تنظيم الدولة" في قوته القتالية نحو 40 ألف مقاتل من 120 بلدا، وقد جاء نحو 5000 إلى 8000 مقاتل منهم من أوروبا. وتضيف أن نحو 1500 شخص من هؤلاء، بينهم نساء وأطفال، قد عادوا، وأن من بين 850 بريطانيا التحقوا بالتنظيم، قتل ما يقدر بـ 130 وعاد نحو 360 شخصا.
واعترفت الصحيفة "أن تنظيم الدولة في تراجع لكن ما زال ينشر أيديولوجيته التي تدعو إلى الكراهية، ويلهم ويرعى العنف في أوروبا التي يبحث فيها عن تجنيد متطوعين لقضيته، وأن جزءا من قوات التنظيم أعادت موضعة نفسها على الحدود السورية التركية، ويعيد مقاتلون آخرون تجميع أنفسهم في ليبيا، كما تسعى القاعدة لاستيعاب عدد آخر من أعضاء التنظيم". وخلصت الصحيفة إلى أن أكثر الطرق فاعلية للتعامل مع الشباب الذين ناصروا "داعش" هي إحياء العمل بجريمة الخيانة، التي تعاقب بالإعدام حينها، وافادت الصحيفة أنه من الواضح أن من سيدانون اليوم لن يواجهوا عقوبة الإعدام، لكنهم سيقضون محكوميات سجن طويلة ستكون كافية لردع أية توجهات "جهادية"! لدى الآخرين وتجردها من أية رومانسية مزيفة.
كل هذه الإجراءات والتهيؤ الأمني والاستخباري إعلاميا والدعوات لمحاكمات تستعيد قوانين وأحكاما متشددة، هي في الوقائع الحصاد الخاسر لما زرع واستثمر ودعم سابقا، وهي في النهاية إعلان متأخر لا يعوض دماء الأبرياء، الذين صاروا مواضيع للعنف والإرهاب المنظم والمحسوب سلفا، من الإعداد والتجهيز والتسهيل والنقل إلى التدمير والتخريب والقتل ونشر الخوف والكراهية والإرهاب والرعب.