ما بين اليوم والأمس يتضح حجم المنجز في كل قطاع من القطاعات الخدمية في السلطنة، ويتضح في الوقت ذاته حجم الجهود الكبيرة التي قامت بها حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ منذ بزوغ فجر النهضة المباركة.
ويعد القطاع الصحي واحدًا من بين هذه القطاعات، فاليوم ليس كالأمس الذي كان الحرص على نشر مظلة الصحة في ربوع البلاد، وإيصال الخدمة الصحية إلى المواطن أينما كان، وإنما الحرص اليوم يتبدى في الإصرار على الوصول إلى أعلى مستوى من الصحة في البلاد، وتحقيق إنجازات طبية بخبرات وأيادي كفاءات عمانية، وما يترتب على ذلك من نتائج إيجابية تمهد طريق النجاح للتنمية الشاملة.
والإحصائيات الصادرة عن المستشفى السلطاني في مجال طب القلب والقسطرة تمثل مرآة عاكسة عن ثبات الخطى نحو تحقيق الأهداف ومزيد من النجاحات والإنجازات الطبية، والاعتماد على الكادر البشري الوطني المؤهَّل والمدرَّب في ذلك، حيث تؤكد هذه الإحصائيات أنه خلال عام 2016م بلغ عدد القسطرات التشخيصية والعلاجية للقلب حوالي 6246، بمعدل 20 قسطرة يوميًّا وبنسبة نجاح عالية ومضاعفات جانبية متدنية تماثلان الدول المتقدمة طبيًّا في هذا المجال، وزيادة بنسبة 123% مقارنة بعدد القسطرات التي أجريت خلال 2010 التي بلغت 2797 قسطرة. كما بينت الإحصائيات أن المركز الوطني لطب وجراحة القلب حقق إنجازًا نوعيًّا في مجال متوسط قائمة انتظار المرضى لمواعيد القسطرة القلبية في حين يتم التعامل مع الحالات الطارئة مباشرة.
ما من شك أن تلك الأرقام ليست بالبسيطة في مقاييس الزمن بالنسبة إلى بلادنا في مسيرة نهضتها المباركة البالغ عمرها سبعة وأربعين عامًا، ولكنها في جانبها العملي والعلمي، تعكس الالتزام العماني بالسعي نحو تطوير وتحسين الخدمات المقدمة للمواطن من خلال العلم والبحث العلمي من جهة، وتضيف رصيدًا معرفيًّا يراكم الخبرة المحلية من حيث الكم والمستوى، كما أنها تعزز فرص المواطن في الحصول على خدمات طبية بمستوى عالمي، من خلال توطين المعرفة والتقنية المتطورة في هذه المجالات، ورفع المستوى المهاري للكوادر الطبية العمانية، أخذًا بكل ما هو حديث ومتطور على مستوى العالم. فالمركز الوطني لطب وجراحة القلب بالمستشفى السلطاني تحكي نجاحاته ذلك. فقد أحدث هذا المركز ـ منذ افتتاحه في الثالث عشر من ديسمبر من عام 2015م ـ قفزة نوعية في مجال المعدات والأجهزة الطبية المستخدمة في مجال أمراض القلب، وعدد أسرة الترقيد، فضلًا عن زيادة في عدد غرف عمليات القسطرة القلبية من غرفتين إلى خمس غرف، وهو ما جعل هذا المركز قبلة الاهتمام ومحل إشادة وثناء وتقدير من قبل مؤسسات صحية وشخصيات طبية عالمية مرموقة. وتقديرًا واعترافًا من المجتمع الدولي بكفاءات المركز الوطني في قسطرة القلب تم إسناد إجراء قسطرات قلبية في مجال الأمراض والعيوب الخلقية للقلب للمركز وبثها في ربط مباشر بمؤتمر روما الدولي للقلب والمؤتمر الدولي لعلاج حالات العيوب الخلقية والتشريحية (CSI)، وبلغ مجموع المشاركين في المؤتمرين حوالي 2500 طبيب مختص. وهذا بدون شك ليس بالأمر السهل، ولكنه يعبِّر عن مدى ما وصل إليه المركز ووصلت إليه الكوادر الطبية التي تديره من ثقة وخبرة علمية ومهنية، الأمر الذي يؤكد بدوره الحرص على الارتقاء بجودة منظومة الخدمات الطبية والعلاجية التي تقدم للمواطنين في مختلف التخصصات، حيث لا تألو وزارة الصحة جهدًا في هذا الجانب.
صحيح أن المركز الوطني لطب وجراحة القلب نتيجة لكم العمليات التي يجريها تمكن من خفض المواعيد الطبية المتعلقة، إلا أن الطموح أن تنخفض فترة انتظار المواعيد إلى أدنى حد لها، لا سيما وأن الأمر متعلق بأمراض القلب التي تحتاج إلى السرعة في العلاج.