حين يسدل الليل أستاره، تنفرج أدلاج النهار بدء بخيط رفيع، تصبح تلك البرهة صلة بين وقتين متماسكين بانتظام دون خلل ولا إخلال، هي دلالة على قوة خلق الله تعالى لهذا الكون فينعكس ذلك التماسك ليتأثر به الانسان ويؤثر في حركة الحياة التي قيضها الله تعالى وهيأها له، فما أهداف ذلك التماسك والتكامل؟ حين يتفكر المتفكرون ويتأمل المتأملون فهل ينعكس ذلك إلا على سلوكيات البشر في هذه البسيطة؟ فيتفاعلون ويؤثرون ويتأثرون في بعضهم البعض ويتساندون فيحتوي منهم الصحيح العليل، ويعين فيهم الغني المحتاج، وكذلك يجدر القول إنّ تلاحم الليل والنهار بدقة متناهية ذاك تفكر للبشر في توثيق الأواصر، وتذليل لعقباتهم وتحدياتهم الحياتية ومبعث لتجديد وتحديث الفكر والمعارف واستغلال لطاقاتهم ومهاراتهم وتوظيفها فيما يرضي الله تعالى وما يحقق أهداف الحياة خصوصاً حين ينصبّ في تنمية المجتمع عامة والاهتمام بأبنائه على وجه الخصوص. وحين نتيح تشجيع الفكر وتبنّي الخامات الوطنيّة واحتواء أفكارها وصقل مهاراتها فذلك حب للوطن يظهر مع مرور الزمن وهو استثمار حقيقي للعلم وتقدير للراغبين في سبر أغواره.
لا يعرف للعلم عمر معين أو نسب محدد أو جاه أو غير ذلك بل شامل وعام للجميع وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، فحين يتميز ذوي الكفاءة في علم معين أو تخصص علمي أو أدبي فذلك رصيد معرفي يضاف إلى تاريخ البلاد الممتد الجذور والعريق بعراقة التاريخ. من هنا نرمي إلى طرح في غاية الأهمية ربما يعد سببا وجيها في هجرة الأدمغة العربية إلى دول أخرى تقدمت بفعل تقديرها للعلم والعلماء فصنعت انتاجا وفيرا من العلوم التي ترجمت اليوم إلى واقع ملموس وفي ضوء ذلك وجب أن نستيقظ فعليا ولنتفكر في قضية احتواء المواهب الجادة وخلق فرص علمية للشباب الطموح التي من شأنها ان تنتج وتفيد المجتمعات، ليس طرحي لهذا الامر اعتباطيا بقدر ما هو مقصود حين حدثني أحد المقربين بأنه درس على نفقته الخاصة في إحدى الدول الكبرى تخصص علمي دقيق، نجزم بأن المجتمع بحاجة ماسة إليه بيد أن الأمر ليس في يده حين درس فيما يسمى بتخصص أمراض التوحد والعلاج الطبيعي أو ما يسمى بنقص الأكسجين أو غير ذلك من توابع لمرضى التوحد.
لقد دفعني هذا الأمر إلى مزيد من التقصي والبحث في هذا الشأن حين اتضح لي أنّ الأرقام تتكاثر في أمراض التوحد في البلاد وتشير الاحصائيات إلى أن أكثر من (3500)أسرة في السلطنة لديها طفل توحد ونحن بحاجة ماسة إلى احتواء وتبني مثل هذه التخصصات النادرة ولعل من يزور مركز التوحد في محافظة مسقط سيكتشف فعليا أن أرقام مرضى التوحد في ازدياد من هنا نودّ القول بضرورة الوقوف على أسباب تزايد مثل هذه الحالات مع قلة الطلبة الراغبين لدراسة مثل هذه التخصصات ناهيك عن أنّ محدثي رفضت الجهات المعنية بالأمر الصحي تبنى تخصصه الدراسي بحجة عدم الحاجة الماسة إليه أو لعدم توافر الدراجات المالية وغير ذلك من المبررات وربما كذلك يعود الأمر الى تأهيل عدد من الفتيات يعملن في مجال تأهيل مرضى التوحد فهل نكتفي بالتأهيل دون الحاجة الى دراسة التخصص الدقيق.؟
إنّ ما نودّ ذكره عبر هذا المقام إلى ضرورة الإسراع في توافر المختصين في علاج أمراض التوحد في السلطنة وتأهيل العاملين في دراسة التخصص الدقيق في الجامعات العلمية والاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في علاج مثل هذه الحالات وكذلك الاسراع في فتح مراكز حكومية تحتوي هؤلاء المرضى بعناية تامة وفائقة، لأن الوضع القائم في رعاية هؤلاء المرضى لا يفي والاحتياجات المستقبلية فوجود ثلاثة مراكز خاصة لا يفي بالأغراض المنشودة خصوصا أنها تتمركز في محافظة مسقط، وهذا يشكل صعوبة بالغة على سكان باقي المحافظات.
لا يفوتنا أن نذكر أن هذه الحالات لها الحق في العيش كباقي الفئات الأخرى مع توفير جميع المتطلبات الحياتية لها وكذلك لها الحق في ممارسة حقوقها وواجبتها لذا يجب أن نوليها العناية التامة الفائقة فلربما يظهر منهم كفاءات منتجة متخصصة في مجال معين لذا وجب منحها الفرصة في التوجيه والعلاج السليم مع تهيئة الفرص العلمية المواتية. رغم ذلك إلا أننا لا ننكر الجهود المبذولة من قبل وزارة التمية الاجتماعية في هذا الجانب بيد أننا نطمح المزيد من الجهود المتعلقة بمرضى التوحد والرامية إلى احتواء هذه الفئة وأسرهم في بادرة طموحة نناشد الجهات المعنية بإيجادها على أرض الواقع والمتمثلة في مراكز حكومية تخصصية متكاملة بكوادر وطنية تعمل على تحقيق أهداف المجتمع.
تلك حقيقة لا بد ان نقف عليها وأن نبذل مزيد الجهد بهدف إسعاد هذه الفئة وجعلها تعيش حياة كريمة تتمتع بالصحة والسعادة وبث روح المودة بين أفراد أسرها. فلنعي ولنتذكر اهمية إيلاء هذه الفئة الاهتمام الدائم، ولنشجع الدراسين في دراسة مثل هذه التخصصات الدقيقة ولنحتوي المبادرات في هذا المجال. وكل عام وانتم بخير وعافية.

خلفان بن محمد المبسلي