رواية ( التي تعد السلالم ) للروائية العمانية هدى حمد : تتموضع بين قوسين زمنيين ومكان ثابت راسخ مستقر هو البيت في وطن ٍ مطمئن آمن ٍ. ، كل قوس ٍ مُعَلم بعلامتيّ : الاسم والجغرافيا : دراشين السيريلانكية – فانيش الأثيوبية . وبعد صفحات تنكشف هويتهما الطبقية الواحدة : وفق مفهمومات الحداثة كلتاهما تنتسبان للعمالة الأجنبية . وكلتاهما وفق التراتبية الأقتصادية تنتسبان لحثالة البروليتاريا ..مابين القوسين وفق مشروع قراءتي المنتجة، أطلق عليه الخلية السردية الموقوتة :(بين خروج دارشين السيريلانكية المفاجىء من بيتي ودخول فانيش الأثيوبية إليه، لاأدري ماالذي حصل لي / 9) هذه الخلية السردية الموقوتة تتشظى على مدى (274صفحة).. بتنويعات سردية تشمل :
*ضمير المتكلم والتي تبثه الشخصية / المحور : زهيّة ..
(1)السرد التشكيلي وبشهادتها (أحبّ الرسم على الشيل وعلى الزجاج وعلى التحف الفخارية والقمصان /10)..(70).. (73)( 78)(100)(123)
بعض روسومات زهيّة يتجاور مع أمالي السرد، فالولد والبنت : راية ويوسف أثناء التوديع تقول لها راية
(ماه. كلّ ما اشتقتيلنا رسمي على جدار غرفتنا أنا ويوسف../ 70) سيحول جدار الغرفتين معرضا لرسومات شتى فتنمو (الجدارية بقصص كثيرة عني وعنهم وعن الدنيا حولنا/ 70) لكنها لاتنتقل الواقع وتثبته في رسوماتها (لا أرسم اللوحات الواقعية. تركت ُ ذلك باكرا جدا..أرسم عبثي الخاص وأفكّر خارج اللوحة. خبطات هنا وأخرى هناك ..عندما أشتد ّ حنيني إلى راية، رسمتُ ولادتي لها.رسمتُ روحي المعلّقة في السقف . لاتعود إلى صدري فأرتاح ولاتذهب إلى السماء فأهدأ..رسمتُ عينيّ يوسف اللتين أحبّ. نظرته الشقيّة الطفولية. يوسف عندما لعق أصابعه المليئة بالدم لحظة الولادة قبل أن يرضع من ثديي.. رسمت ُ ظل رأس رجل ينحني على ظل كتف امرأة .يا آه كم أفرح بهذين الظلين يختصران علاقتي بعامر./ 70-71) تبالغ في ترسيمتها لأبويها، كأنها تثأر (أرسم والدي ضخماً وأمي تقارب ضخامته/ 73) وهي غائبة في لوحاتها وحين تسألها أبلة صفاء يكون جوابها..(أنا لست ُ هنا.أنا في الفضاء)..
(2) سرد ديكورات وموتيفات البيت من الداخل (يُطلقون على بيتي ،، بيت غريب،، ..ربما بسبب الفراغات التي أحافظ على وجودها بين قطع الأثاث، ربما بسبب البياض الذي يتسلق الجدران والتفاصيل الأخرى، ربما بسبب الستائر فاقعة اللون وتلك القطعة الأثرية التي يجلبها لي عامر من كلّ البلدان التي زارها أرتبها فوق الأرفف بشكل جاذب وأنيق، تلفت ُ الضيوف للسؤال عن حكاية كل قطعة منها../13)
(3)أمالي سرد التنظيف فهي مصابة بفوبيا المعقمات البيتية و لا تجيد تنفيذ هذا السرد بل تمليه على الخادمات التي ورطتهن ظروفهن المعيشية للعمل لديها ..(لا أحد يتفوق عليّ بشراء المعقمات وابتكار خلطاتها، حتى إنيّ أمتلك دفترا صغيرا بأسمائها وأنواعها ..لكنّي في محكّ التجربة صُدمت ُ بنفسي، أجيد الشراء الشره للمنظّفات ولا أجيد استعمالها ..) ومن جانب آخر فهي امرأة غير قابلة للكسر، درست في مصر رغم أنف البعض،وهي ريادية في هذا السياق ضمن بعثة دراسية كاملة من الحكومة وبشهادتها (من أوائل الدارسات في الخارج من قريتي في الباطنة ../18)..ولديها حلم يقظة على سعة بيتها فقط ، بعدأن تحررت منها دارشين ..(أتخيّل إمكانية أن تكون الأشياء تحت إمرتي، أطقطق إصبع الإبهام بالوسطى وتستجيب لي الدنيا، يصبح ُ بيتي لائقا بي،نظيفا مرتبا كما أحلم،أتخيل فماً كبيرا ينفخ ُ الهواء ليزيح كلّ الغبار عن بيتي، ممسحة كبيرة تمرق ُ فوق الشبابيك لتغسلها في زمن قياسي، إنساناً آليّا يعمل ُ على الموسيقى، ينجز ُ عمله في ثوان عبر قراءة أفكاري..../ 13) كل هذه اليقظة البيتية الحالمة من أجل شيء واحد تريدها زهيّة (لا أضطر لأن فمي بالصراخ ولا لإسداء النصائح وتكرارها..) !! لا تريد هذه المرأة أن تبذل جهدا عضليا في بيتها من أجل بيتها ، بل يغيظها أن يعمل سواه من أجل بيته ؟!! يالها من امرأة سامة!! وبعظمة لسانها تخبرنا( تُغيظني جوخة زوجة والد عامر. المرأة التي تفعل كلّ شيء بدقة متناهية. بيتها نظيف .لم تدخله إليه،، شغالة،، طوال الأربعين عاما... تطبخ وتكنس وتنظّف، تُحضّر أطباقا لاأشهى منها ولا ألذّ، لا أقاوم ترتيب بيتها كأن لاأحد يسكنه ../19)
(4) مخطوطة رواية عامر : زوج زهيّة .
(5)السرد المحظور: تبوحه فانيش للأوراق ، وبسطو زهيّة عليه سيكون سردا منتهكا .وهناك سرد الرسومات التوضيحية في سرد فانيش.
(6) مشافهات العم حمدان المنبجسة من زمنه النفسي بشحنة ساخنة الحنين ونذالة التخلي عن زوجته (بي سورا) تنفيذا لبشاعة والده !!
(تنمو الحكايات وتكبر، وكل حكاية تذهب إلى حبيبته الأولى،، بي سورا../ 20) وهذه المشافهات موجبة المؤثرية لدى زهيّة ..لكنها نارية التأثير على جوخة التي تعتبر ضرتها، رغم مجهولية مصير (بي سورا) بعد انتزاع بكرها عامر منها بالتحايل ..(بي سورا هي المغناطيس الجاذب لدخول جوخة وبقائها بيننا ..) تستأنف زهيّة سردها/ رصدها لحركيات جوخة المبصومة بالعطل المعلن عن غيرتها الطافحة ومن هنا يبدأ سرد العين ..(تدخل جوخة وتختفي: تُبقي أذنيها معنا. أشعر أنّ الفضول يُربكها كلّما حكى عمّي حمدان عن ماضيه مع(بي سورا) تتحجج جوخة بوضع أطباق الفاكهة . تفتح الحلوى وتُعيد تغطيتها من دون سبب واضح )
وثمة مؤثرية استقواء بالنسبة لعامر(ماذا لوأختفى أبي حمدان وحكاياته من حياتي ../ 63)

التعاين المرآوي ..
(1- 7) صدمة التراسل المرآوي للعين بين الخادمة والمخدومة
دارشين الخادمة لها براعة الاسفنجة تمتص كل فوبيات مخدومتها بسعة تسع سنوات من الامتهان الاجتماعي، لكنها حين تشتمها زهيّة وهي تقطع البصل بكفين حافيتين بلا قفازات ، تنفجر كبركان مهذّب، وبشهادة زهيّة (رفعت رأسها وأنا أشتمها. وضعت عينيها في عينيّ لأول مرة منذ تسع سنوات ) وكانت صدمة التعاين قوية على المخدومة (لدرجة أنّي خفضت ُ رأسي، ارتبكت نبرة صوتي وهي تقول بعربيّتها المكسرة : مدام ..خلاص / 31) ثم تقوم المخدومة بمقايسة صوت خادمها (خرج صوتها بعد السنة التاسعة عميقاً جارفاً كتيّار واد ٍ أو دوامة إعصار..) وفي يوم مغادرتها تكشف دارشين عن صفة مخبوءة فيها ..تجاوزتني كأنها لاتراني .كما كنت ُ اتجاوزها. وقفت أمام عامر رافعة الرأس، لدرجة أنّي ظننت ُ أن قامتها طالت عما كانت عليه ../32) ..خطاب عين دارشين أعمق بلاغة وأمض من زفرة لسان المخدومة ..(فقط لو لم تُصوّب ناحيتي نظرتها ..فقط لو أنها حنت رأسها ولم ترفعه في وجهي في لحظة غضبي / 38).. ثم سينتقل السرد من عين الوجه إلى عين المكان ، حيث يخبرعامر زوجته زوجته زهيّة (خلاص أنا قررت. بنسيّر مكتب وبنجيب شغّالة / 39) ..هنا ستتداعى ذاكرتي كقارىء ..إلى منطقة (العين) في دولة الأمارات العربية المتحدة ..
(2-7)
الميزة الأولى للخادمة الجديدة فانيش تستفز المخدومة زهيّة (رأسها مرتفع وما إن أتحدث إليها حتى تضع عينيها في عيني مباشرة../45) ..(نظرتها تصوبها إلى مرآتي الجانبية فينة والمرآة الأمامية فينة أخرى / 46)..(تصمت فانيش،أتلصص عليها من وراء نظارتي الشمسية ../50).. وحين ترفض مجالسة فانيش في المطعم، ويكلمها بهذا الخصوص زوجها على إنفراد ستركز زهيّة عينيها على الآخرين في المطعم وتخبرني كقارىء(انتبهت ُ لنظرات الناس من حولنا. تركوا طعامهم يبرد ليتفرجوا علينا../53) ..ستظهر فانيش في اليوم الأول للعمل جماليات خبرتها المنزلية وتتوارى عن الزوجين وهي معهما في البيت (لم أشعر بعينيها تتلصصان علينا ..توقف دبيب جسدها ياااه! تبدو لي مدرّبة وجاهزة ../59)
(3-7)
تخشى من عين الحسد لدى الخادمات هذه المخدومة الممروضة لذا تعلن (لا أسمح لهن ّ بالنظر إلى حاجياتي ولابلمسها ../86)
(4-7)
تسألها فانيش (مادام .هل سكن قبلكم أحد في هذا البيت ؟/ 98) وحين تعترض زهيّة ، تساررها فانيش (أظنّ بوجود امرأة انتحرت في هذا البيت ؟) وبعد أن تزجرها زهيّة ..تصمت وتنشغل بغسل الأطباق وحين تعاود سؤالها، تجيبها فانيش (الحلم. مدام حلم أراه وأنت ِ لاترغبين بسماع صوتي، لم أعد أحتمل هذا السّر لوحدي) وكأن الكلام لايكفي فانيش ..ثم تخبرنا زهيّة (تلتفت إليّ، تضع عينيها في عينيّ مباشرة. تتعالى دقات قلبي، فيما يحتفظ وجهي بنظرته الصارمة ../ 98).
(5-7)
ينتقل حلم فانيش إليها..( يا إلهي رأيت حلم فانيش . لايعقل . الحلم كما وصفته فانيش بالضبط . أبقي عينيّ مفتوحتين ../119) ..هل أستعملت فانيش لسانها في سرد حلمها ثم عززت سردها وهي تبثه من عينيها إلى عينيّ زهيّة ليمكث في وعي زهيّة وفي عقلها الباطن ..؟!
(6- 7)
تحاول فانيش التودد إلى مخدومتها ، بأن تتنازل وتتذوق من طعام فانيش وتتذوق فانيش من طعام المدام ..فأذا بالمخدومة زهيّة تهتز على مقياس رختر (دارت بي الدنيا. وقاحة هذه المرأة وجرأتها تزيد يوماً بعد آخر. والسبب هو أنا. لم أجبها على اقتراحها السخيف ..) هنا ستحل في زهيّة نظرات راديش التي لم ترد على شتيمتها بل أوصلت خطابها الحاد عبر العينين وهاهي زهيّة تعلن ..(كانت نظرتي الحادة كفيلة بكل شيء../ 130) ..
(7-7)
ينقذها ربما صراخها من الكابوس حيث المرأة المحلومة بها كانت تقودها على السلم وهي تحكم قبضتها عليها ..تضمّد صرختها بسماع صوت زوجها عامر وبشائره السردية ..وهي تنزل من الطابق العلوي نحو المطبخ يتزامن ذلك مع عودة فانيش من رمي الزبالة خارج البيت، تتعاينان فيما بينهما . تعلن زهيّة (دخلت فانيش، ارتبكت ْ قليلا عندما وضعتُ عينيّ في عينيها /151)..لكن وهي تختلس مذكرات فانيش وتقرأها وتصل إلى قسوة الحاجة موضي في تعاملها مع فانيش والقيام بطردها من العمل ..في هذه الفقرة ستركز فانيش على قسوة عينيّ موضي في سرديتها..(لن أنسى النظرة الأخيرة التي سددتها لي الحاجّة موضي عندما قالت : لا مكان لك ِ في بيتي ../179) هذا المشهد البشع الباطل ، يترك مؤثريته في عينيّ زهية وهي تقرأ ..( لا أدري إن كان ثمة ما دخل في عيني في تلك اللحظة، أم أن دمعة حقيقية أو شكت أن تهجر عيني لتغزو خدي . لكن ما أنا متأكدة منه أن قلبي ارتجف بين ضلوعي../ 179) ..نلاحظ ان عين زهيّة تدفقت بمشاعر إنسانية ناصعة مناصرة لفانيش في محنتها... وسيكون تعليقها كالتالي (ياللقصة الغريبة. كم تملك هذه المرأة من حكايات صالحة لأن تكون فيلّما أو مسلسلا ../ 180) وستكافئها في نهاية الرواية برسمها في لوحة زيتية خاصة ..

مقداد مسعود
كاتب وشاعر عراقي