أخذت القصة القصيرة مكانها باعتبارها جنسا ادبيا، ظهر على الساحة الأدبية العربية، بنمطيتها التي عرفت بها في بدايات القرن العشرين، وظلت تساير الحركة الأدبية العربية والعالمية، متأثرة في أحيان كثيرة بما أنتج في الغرب، من حيث المنهج والأسلوب والبنية الفنية، ومع تقدم الزمن اصبح لها قاعدة عريضة من القراء والكتاب ايضا، ففتح باب النقاش حولها في محاولة لوضع الأسس والضوابط النقدية التي كان يسعى الى تثبيتها من وجد في نفسه استعدادا في الخوض في غمارها، حتى استقام عودها وأصبحت من الأجناس الادبية ذات الأهمية الادبية والاجتماعية لأنها (تعبر عن قلق الانسان وآماله وتجاربه وتأملاته)1، وهذا ما يتوافق مع هواجس المتلقي وأحاسيسه سواء اكان مثقفا أو قارئا، حيث وجدها ( قد استطاعت بما تمتلكه من خصائص جمالية ولغوية ان تعبر عن اللحظة التي يعيشها الانسان وتساير حركية المجتمع وتغيراته)2
صدر عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع في 2015_ 1435، المجموعة القصصية، للقاص يونس البوسعيدي، والتي تحمل عنوان س من الناس، وعدد صفحاتها76 صفحة، وقد قسم القاص هذه المجموعة الى اربعة مجاميع هي: باب الصباح وسوط في صوت وقلب ومرايا التراب) ففي مجموعة باب الصباح نقرا القصص التالية: قاطورة والحجلة ومن يرجع الشاة وبذرة فاسدة وظل، اما مجموعة سوط في صوت فنقرا القصص التالية: دابة الارض وكانت خبزة تحترق وراعي الحفل ومظاهرة وبعوض ووطنيون شجعان وسامريون والضابط جوجل والدجاج لايبيض ذهبا وسوط في صوت ووعظ وعقد، وفي مجموعة قلب نقرا القصص التالية: فراغ وبحر وزهايمر وقمر من زبد وحورية وروح وندم ولا تشو الجرادة وتعب البطريق من الرقاد ويشبه ( التيراكوتا) وفي مجموعة مرايا التراب فنقرا القصص التالية: الخيال يهش الخيبة ووحوه ورق البستوني وهذيان المرايا والدكتور يشبه جدتي وترصد وعودة وممسوس ولوحة ما ئية ونساء وعزلة وهل كانت ماوية تبكي واحلام,
ولما كان العنوان هو مفتاح النص، الذي يمكن للمتلقي بما يضيء له من النص على فهمه والتمتع بقصصه مما يتيح له من مجسات تؤشر الى اتجاهات النص، وفي مجموعتنا التي نحن منشغلون بقراءتها وقد منحها القاص اسما، مثقلا بالاسئلة وهو (س من الناس) صيغة اراد بها الإحالة على مجهول متجنبا بذلك كما يرى هو تحمل مسؤولية التوافق بين ما يصنعه الخيال وما يدور على ارض الواقع، وهو ينطوي على مفارقة يكون فيها المخفي في تضاد مع المعنى الظاهري، ولكان العنوان كما يرى النقاد هو المعادل الموضوعي للنص، وفي مجموعتنا هذه نرى ان النص يعمل في اتجاهين نحو ما يحمله النص من جمالية ورؤى، فهو من جهة يحاول اقناع المتلقي بالنص، ومن جهة اخرى يعمل على استفزازه نفسيا3 ، ليجلب انتباهه الى النص وجعله يقبل عليه بوعي كامل بما يوحي اليه من ارتباط بواقعه، فسين ليس بمجهول عند القاص ولكنه في الوقت نفسه مجهول عند المتلقي والذي عليه ان يفتش عنه بين الناس الذين هم شخوص القصص الذي صنعهم مخيال القاص، وهو بذلك يكون قد أدى دوره في حمل المتلقي الى فضاء النص، وعند الدخول الى ذلك الفضاء والذهاب به الى حدوده وتضاريسه الأخيرة، يستطيع المتلقي، ان يخرج بحزمة من الرؤى التي كانت مبثوثة في مساحة النص والتي تنوعت وفق مرجعياتها ومنحت اللغة القصصية التي أجاد في صياغتها القاص النص طاقة جمالية وانفعالية عالية يستريح اليها المتلقي ويستشعر باللذة المتولدة من إلقائه، فهو سيجد ان المجاميع الرئيسة الاربعة، بما ضمت بين جوانحها من قصص، ان القاسم المشترك بينها مخيال القاص، المشبع بايحاءات وانعكاسات الواقع الاجتماعي، فهي صور متنوعة من واقع معاش، مع شيء من الجمال الفني الذي اضفى على النص، نكهة فنية، عكسها المخيال هواجس واحلام ورؤى، تتفجر في لحظة الحدث، وهو بذلك يظهر للمتلقي ما يتسلح به من امكانية لغوية تكاد تقترب من لغة الشعر، وهي ذو قابلية عالية على التوظيف، وهذا مايظهر عبر تراكيبه اللغوية المنسجمة، والمعبرة عما يريد بدقة، مؤثثا لها برمزية تحيل الى واقع بالرغم من استعمال القناع لشخصيات النص، والاختباء خلف اللغة الرمزية، التي شاءت ان تكون مشاكسة في بعض النصوص، للقدر الذي حاولت به نزع القناع والظهور عارية أمام المتلقي.
-----------------------------
المراجع:
1_شعرية القصة القصيرة:67
2_ شعرية القصة القصيرة: 67
3_ العنوان في القصة القصيرة: جوجل

أحمد زكي الانباري
كاتب وناقد عراقي