[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
القيروان أيضا هي التي أسست القاهرة في عهد المعز لدين الله الفاطمي والى اليوم تسمى القاهرة المعزية، كما أسست الأزهر على أيدي جوهر الصقلي في 17 من شعبان 358هـ 6 يوليو969م، والقيروان هي التي أوفدت بنت القيروان فاطمة الفهرية لتأسيس جامعة القرويين بمدينة فاس، فبنيت الجامعة كمؤسسة تعليمية لجامع القرويين عام 245 هـ/859م، في مدينة فاس المغربية، وتعتبر جامعة القرويين أيضا أول مؤسسة علمية اخترعت الكراسي العلمية المتخصصة والدرجات العلمية في العالم تخرج فيها علماء الغرب..

صنف الديوان الوطني للإحصاء مدينة القيروان مسقط رأسي هذه الأيام في قمة قائمة الفقر لتصبح الأولى بين ولايات الجمهورية التونسية في نسبة الفقر؛ أي حصلت القيروان على المركز الأول في معدل أهلها المصنفين تحت مستوى الفقر! وهي التي صنفها التاريخ الأولى في فتح إفريقيا سنة 50 هجرية حينما وصلها المجاهد عقبة بن نافع فأسسها ثكنة لجيشه الإسلامي، وشيد فيها جامعها الأعظم أول منارة للدين الحنيف في إفريقيا، وأول جامعة علمية أشعت على العالم بابن الجزار في طبه والإمام سحنون باستقلال قضائه والحصري بشعره (يا ليل الصب متى غده) وعبدالله بن أبي زيد بفقهه وابن رشيق بكتابه العمدة، ومن القيروان انطلقت فتوحات المسلمين نحو الأندلس وجنوب أوروبا. والقيروان أيضا هي التي أسست القاهرة في عهد المعز لدين الله الفاطمي والى اليوم تسمى القاهرة المعزية، كما أسست الأزهر على أيدي جوهر الصقلي في 17 من شعبان 358هـ 6 يوليو969م، والقيروان هي التي أوفدت بنت القيروان فاطمة الفهرية لتأسيس جامعة القرويين بمدينة فاس، فبنيت الجامعة كمؤسسة تعليمية لجامع القرويين عام 245 هـ/859م، في مدينة فاس المغربية، وتعتبر جامعة القرويين أيضا أول مؤسسة علمية اخترعت الكراسي العلمية المتخصصة والدرجات العلمية في العالم تخرج فيها علماء الغرب، وقد بقي الجامع والجامعة العلمية الملحقة به مركزا للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة. (درس فيها سيلفستر الثاني (جربيرت دورياك الذي شغل منصب البابا من عام 999 إلى 1003م ويقال إنه هو من أدخل بعد رجوعه إلى أوروبا الأعداد العربية. كما أن موسى بن ميمون الطبيب والفيلسوف اليهودي قضى فيها بضع سنوات قام خلالها بمزاولة التدريس في جامعة القرويين. القيروان كانت الأولى في مقاومة الاستعمار منذ حلوله بتونس سنة 1881 فتكونت فيها أولى خلايا المقاومة المسلحة للتنصير والاحتلال وهي الأولى التي نظمت أول مظاهرة لنصرة القيم الحضارية في أول عهد الزعيم بورقيبة في جانفي 1961 استشهد فيها خمسة مواطنين ورفض أبناء القيروان آنذاك اضطهاد إمامهم الفاضل رحمة الله عليه الشيخ عبدالرحمن خليف، وكانت نتيجة تلك الهبة المباركة الحد من مبادرات بورقيبة العلمانية المرتجلة مثل إلغاء الصيام والتخلي عن الحجاب. لي مع القيروان ذكريات لا تمحى، فقد ولدت في حي الجامع قريبا من جامع عقبة، وكنت أتردد طفلا على دروس الزيتونة كل يوم اثنين يوم إجازة المدرسة لأتحلق حول أحد شيوخ العلم والأدب أحاول فهم ما يقول، وأتعلم اللغة العربية ومعالم حضارتها، وكنت تلميذا في مدرسة الفتح القرأنية التابعة للأوقاف التي كان معلموها ومديرها من الوطنيين الدستوريين أمثال محمد بودخان أحد مؤسسي الحزب الدستوري والطاهر عطاء الله وغيرهما ممن كانوا يعلموننا بسلوكهم لا بنصائحهم كيف يدافع الرجل عن حياض الوطن، وكان أغلب معلمينا يرتادون السجون صامدين. القيروان كانت تعج (ولا تزال) بأهل الأدب والشعر من جيل آبائنا أمثال الشيخ صالح سويسي كاتب أول الروايات في الأدب العربي في مطلع القرن وهي (الهيفاء وسراج الليل) والشعراء محمد الفايز والشاذلي عطاء الله والناصر صدام ومحمد مزهود ومن رواد النقد محمد الحليوي، ثم الجيل الذي تعلم منهم أمثال جعفر ماجد، وفي القصة والنقد أحمد الهرقام وعامر سحنون وصالح القابسي والسيد الهداجي والجيل الذي أخذ منهم المشعل أمثال عبدالرحمن الكبلوطي وجميلة الماجري والمنصف الوهايبي ومحمد الغزي وحسين القهواجي وكثيرون لا يحصون ولا يعدون من أبناء الجيل الجديد الذين حرمتني ظروف الحياة من متابعتهم. وجاءت الستينيات على القيروان محملة بالمصائب سياسية منها ومناخية ومعمارية، فالسياسة زلزلتنا حين أعلن الزعيم بورقيبة إنهاء تجربة التعاضد الاشتراكية وهو الذي كان دعمها فوقع إلقاء الوزير أحمد بن صالح في السجن، وكذلك والي القيروان المناضل المثقف المنجي الفقيه وعدد من كبار المسؤولين في الدولة بتهمة الخيانة العظمى، أما مناخيا فشهدت سنة 1969 أكبر فياضانات لنهري زرود ومرق الليل فحوصرت القيروان من كل جوانبها بالمياه التي جرفت كل ما صادفها في سيولها، ثم ولسبب لم نعرفه خربت السلطات معمار القيروان فبدأت معاول الهدم تدمر أجمل حي في القيروان لبناء (دار الثقافة) عوض تشييدها في الفضاءات العديدة الخالية المحيطة بالمدينة! وتم تعطيل حركة السكة الحديد لأسباب مجهولة كأنما كان البعض يريد الانتقام من القيروان، واليوم تشهد بركة الأغالبة (الفسقية) وهي المعلم الباقي من ألف سنة تدهورا رهيبا وإهمالا تصدى له أبناء القيروان ومنهم الأخ الفاضل عبدالجليل الكيلاني من أجل إعادة الاعتبار للفسقية التاريخية. إننا نهيب بالحكومة أن تعيد الاعتبار لمعالم القيروان الخالدة حتى يكون حاضرها جديرا بماضيها، وينعم ساكنوها على الأقل برؤية الفسقية وجامع عقبة محفوظين من عفاء الزمن وإهمال السلطات. واعتذاري للقيروان نابع من شعوري بالذنب نحوها لأنني غادرتها مكرها وقضيت سنوات من شبابي ملاحقا من إنتربول ممنوعا من العيش في وطني وأجدني أشعر في وجداني بنفس شعور أبي الحسن القيرواني في رثاء القيروان بعد خرابها على أيدي بني هلال:
موت الكرام حياة في مواطنهم فإن هم اغتربوا ماتوا وما ماتوا
يا أهل ودي لا ولله مانتكثت عندي عهود ولا ضاقت مودات
كأنني لم أذق بالقيروان جنى ولم أقل ها لأحبابي ولا هاتوا
هل مطمع أن ترد القيروان لنا وصبرة فالمعلى فالحنيات