يقول الله تعالى في أول سورة الرحمن:(الرحمن, علّم القرآن, خلق الإنسان, علّمه البيان ) .. أخي المسلم: إن نعمة البيان من أجلّ النعم التي أسبغها الله تعالى على الإنسان وكرمه بها على سائر الخلق وعلى قدر جلال النعمة يعظم حقها، وقد علمنا الإسلام كيف نستفيد من نعمة الكلام, فالمسلم العاقل من يستغل هذه النعمة في العمل الصالح. فهناك الكثير من الناس لا ينقطع لهم كلام ولا تهدأ لألسنتهم حركة وقد غفل هؤلاء من الناس عن قول الله تعالى:(لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس, ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما) (النساء ـ 114).
ونقول هنا لكل مسلم ومسلمة: إنه من الواجب على الجميع أن يراجع نفسه قبل أن يتكلم مع الآخرين فإن وجد هناك داعياً للكلام فليتكلم, وإلا فالصمت أفضل. يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ:(والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان)، ومن نصائح سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأبي ذر ـ رضي الله تعالى عنه ـ:(عليك بطول الصمت, فإنه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك).
نعم أخي المسلم: إن اللسان حبل مرخي في يد الشيطان يصرف صاحبه كيف شاء, فإذا لم يملك الإنسان أمره كان فمه مدخلاً للنفايات التي تلوّث قلبه وتُضاعف فوقه حُجب الغفلة، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه, حتى يستقيم لسانه) .. وهنا نوصي بعضنا البعض بالبعد عن اللغو لأنه من أركان الفلاح, وقد فرضه الله تعالى في القرآن الكريم بين فريضتين من فرائض الإسلام فقال تعالى:(قد أفلح المؤمنون, الذين هم في صلاتهم خاشعون, والذين هم عن اللغو معرضون, والذين هم للزكاة فاعلون).
لقد كرّه الإسلام اللغو لأنه بعظمته يكره التفاهات, ولأن اللغو لا يكون فيه إلا مضيعة للوقت, وبقدر تنزه العبد المسلم عن اللغو تكون درجته عند الله تعالى: فيا أيها العبد المسلم واجب عليك أن تعوّد لسانك على الجميل من القول, وهذا يكون مع الصديق, ومع العدو على السواء, فمثلاً مع الصديق: أحفظ مودته وأستديم صداقته وأمنع الشيطان من أن يوقع بيني وبين صديقي أي حقد أو بغضاء كل هذا يكون إذا حفظت لساني عنه، قال تعالى:(وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً) (الإسراء ـ 53)، أما حُسن الكلام مع الأعداء فهو: يُطفئ الخصومة معهم ويكسر حدتها, قال تعالى:(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن, فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) (فصلت ـ 34)، وهناك أمور تضمن للمرء عدم وقوعه في اللغو وفي نفس الوقت تضمن له السلامة منها: (1) البعد عن اللغو والجدال وسدّ جميع الأبواب أمامه، (2) البعد عن الجدال لأنه يسد بها باب الشيطان، والإسلام أخي المسلم يُنكرُ على الكثير من الناس مجالسهم التي يجلسون فيها ويتجاذبون أطراف الحديث وهم قاعدون ليس لهم هم إلا التكلم في أعراض الغير وتلك آفة أصابت المجتمع بعللٍ كثيرة مختلفة, قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إياكم والجلوس في الطرقات. قالوا: يا رسول الله: ما لنا بُدُ من مجالسنا, نتحدّث فيها, قال: فإذا أبيتم إلا المجلس, فأعطوا الطريق حقه: قالوا وما حقه يا رسول الله؟ قال: غضُ البصر, وكفُ الأذى, وردّ السلام, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). واجبنا أن نشكر الله تعالى على ما أنعم به علينا من نعم كثيرة , ويكفي كل مسلم ومسلمة, أن يتذكر أن هناك ملكين يكتبان ويسجلان كل صغيرة وكبيرة تصدر من العبد , قال تعالى:(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) فلو انتبهنا لهذا الأمر فقط, لكنا قبل أن نتكلم بالكلمة, وقفنا وقفة تأمل ومراجعة قبل أن تأتي هذه الساعة, التي يتعجب فيها العباد عندما يرون كتابهم ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، قال تعالى:(ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه, ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها, ووجدوا ما عملوا حاضراً , ولا يظلم ربك أحدا).
فيا من أنعم الله تعالى عليه بنعمة البيان: تذكّر أن الله تعالى سوف يسألك عن هذه النعمة. فماذا أعددت لهذا السؤال؟.
نسأل الله العلي القدير أن ييسر حسابنا, وأن يحسن ختامنا, اللهم آمين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

إبراهيم السيد العربي