[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
إنَّ مستقبل محافظة إدلب وريفها وتطورات الأوضاع فيها، يَدخل في صميم حسابات أنقرة، على مساحة منطقة تمتد طولا على مسافة 35 كيلومترا تقريبا، من جسر الشغور إلى باب الهوى، بما في ذلك مدينة إدلب، بعد أن باتت مدينة مُتخمة بالمجموعات والتشكيلات المسلحة التي تحمل مختلف العناوين، وبسيطرة راجحة لجبهة النصرة "هيئة تحرير الشام" في عدة مناطق من ريف إدلب، وهي الجناح السوري لتنظيم القاعدة.

يُقدّر لمحافظة إدلب السورية أن تعود الآن إلى واجهة اهتمامات القوى الإقليمية والدولية الضالعة في الأزمة السورية، لتكون مثار نقاشات وخطط يُعِدُّ لها كل طرف من الأطراف الفاعلة. فمدينة إدلب باتت الآن تعج بالعناوين المسلحة من كل حدب وصوب، وقد جرى تحويلها لمستودع كبير لتلك العناوين وخاصة جبهة النصرة "هيئة تحرير الشام" بعد أن تم نقل أعداد كبيرة من مقاتليها من مناطق مختلفة في سوريا في أوقات سابقة خلال العام الماضي 2016.
تُعتبر محافظة إدلب من أهم المحافظات السورية في مسارات الأزمة الطاحنة التي تعيشها سوريا منذ سنوات عدة، وذلك لتميزها بموقعها الاستراتيجي الواصل بين عدة محافظات سورية حيث تُعد بوابة اللاذقية وحلب وحماة، كما هي تلك الرقعة من المساحة السورية التي خرجت عن سيطرة الدولة السورية بشكل مُبكّر، فضلا عن تلاصقها من جهة الشمال مع تركيا ومن جانب لواء اسكندورن، مما جعل منها ميدانا للحرب، وثقلا لكل الدول والأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في مسارات الأزمة السورية.
تعيش محافظة إدلب وريفها، هدوءا نسبيا قياسا لما يجري في مناطق الجزيرة السورية (محافظتي الرقة ودير الزور وبعض مناطق محافظة الحسكة)، ومع هذا فقد شهدت محافظة إدلب مؤخرا، توترات عسكرية متصاعدة، واشتباكات شبه يومية، في مناطق أريافها المختلفة، وذلك بين "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) و"حركة نور الدين زنكي"، بعد أيام على إعلان ما تم تسميته بــ"حكومة الإنقاذ" المنبثقة من مبادرة "الإدارة المدنية" التي طرحتها تركيا لتغطية نفوذ "تحرير الشام" في إدلب ومحيطها كما قال العديد من المراقبين من داخل مدينة إدلب. فالتوتر ارتفع بعد هجوم "هيئة تحرير الشام" على أحد مقار مجموعات "نور الدين الزنكي" في بلدة (دير حسان) في ريف إدلب الشمالي، وسيطرتها عليه.
والمعلوماتِ الإضافية المُستقاة من أرض الواقع، تؤكد أن أنقرة تواصل إرسال تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع سوريا، وتحديدا على جبهة محافظة إدلب وريفها الملاصق للحدود مع تركيا، مع تثبيت نقاط منطقة "خفض التوتر" كما جاء في جولة أستانة السادسة قبل الأخيرة. وكان مسؤول تركي قد قال "إن العمل بدأ بالفعل لتنفيذ اتفاق خفض التصعيد في إدلب"، مضيفا "أنَّ المرحلة الأولى الجارية بالفعل هي فصل المعارضين المعتدلين عن المنظمات الإرهابية" على حدِ تعبيره.
وتحاول تركيا في الوقت نفسه استثمار المناخ العام في مدينة إدلب وريفها، حيث تعاظم القلق الشعبي من انعكاسات هيمنة جبهة النصرة "هيئة تحرير الشام"، وأصحاب الرايات السوداء كما قال مسؤول تركي، في مقابل زيادة رصيد بعض المجموعات المناوئة لها، ومنها حركة أحرار الشام الإسلامية وألوية صقور الشام وغيرهما والتي تضم خليطا، وبقايا المنشقّين غير المؤدلجين دينيا، والمتوجّسين من جبهة النصرة.
المعلومات المؤكدة، تشي بأن أنقرة، قد تدفع باتجاه عملية عسكرية وشيكة، عملية عسكرية تركية مُشتركة مع مجموعات محسوبة على تشكيلات عسكرية سورية (الجيش الحر) حال لم يتم حل مشكلة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) بإخراجها من المدينة. في خُطوة تأمل فيها تركيا وحلفاؤها من فصائل المعارضة السورية بأن تساعدهم في السيطرة على محافظة إدلب، حيث كانت فصائل "درع الفرات، التابعة لـ"الجيش السوري الحر"، والمدعومة من أنقرة، قد أعلنت جاهزيتها للتوجه إلى إدلب وطرد "هيئة تحرير الشام" منها.
من الواضح هنا، أيضا، أن الأتراك يولون أهمية عالية، أولا لمحاصرة فيدرالية شمال سوريا الكردية التي تسعى لإقامتها مجموعات (قسد) الكردية المُسلحة التي باتت منفلتة جدا في منطقة واسعة نسبيا بعد دخولها لمحافظة الرقة. وثانيا لمنعِ تأسيس كيان تحت أي عنوان كان مؤيد لـ"حزب العمال الكردستاني"، كيان يعمل بين بلدة عفرين شرق إدلب وصولا إلى نهر دجلة شرق محافظة الحسكة، خاصة بعد الانتخابات الكردية المحلية الأخيرة التي جرت في بعض تلك المناطق، والتي رفضتها عموم المعارضة السورية والدولة السورية على حد سواء.
إنَّ مستقبل محافظة إدلب وريفها وتطورات الأوضاع فيها، يَدخل في صميم حسابات أنقرة، على مساحة منطقة تمتد طولا على مسافة 35 كيلومترا تقريبا، من جسر الشغور إلى باب الهوى، بما في ذلك مدينة إدلب، بعد أن باتت مدينة مُتخمة بالمجموعات والتشكيلات المسلحة التي تحمل مختلف العناوين، وبسيطرة راجحة لجبهة النصرة "هيئة تحرير الشام" في عدة مناطق من ريف إدلب، وهي الجناح السوري لتنظيم القاعدة. وبالفعل أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن رغبته في إقامة منطقة خاضعة للوصاية التركية في إدلب شبيهة بتلك القائمة في ممر (أعزاز ـــ جرابلس) شمال مدينة حلب على الحدود التركية الملاصقة تماما.
إنَّ مصادمة سلوك جبهة النصرة للسياسة التركية، خاصة بالنسبة للحملة ضد الفصائل التي حضرت الأستانة (وهو المسار التركي الروسي) والتي أفقدت تركيا أهم حلفائها في إدلب وتخومها، استولد موقفا تركيا شديدا ضد جبهة النصرة. وبالتالي فإنَّ من الواضح أنَّ تركيا تعمل على توفير مقومات معركة كبيرة قد تكون قادمة في محافظة إدلب ضد فصيل جبهة النصرة "هيئة تحرير الشام" في حال انهيار منظومة خفض التوتر. فأنقرة لا ترغب في تحويل محافظة إدلب إلى "مصنع جهادي" على حد تعبير رئيس الوزراء التركي، ولديها المُحفزّات اللازمة للتدخل عسكريا استنادا إلى التهديد الذي تمثله جبهة النصرة "هيئة تحرير الشام"، فضلا عن مصالحها الجيوسياسية في تلك المنطقة من الحدود المشتركة مع سوريا.
بين حقبة صعود جبهة النصرة "هيئة تحرير الشام" وهيمنتها على مناطق كبيرة من محافظة إدلب (المدينة وريفها)، ومرحلة الانحدار والتراجع في المنطقة ذاتها، والتي توشك أن تتحوّل أمرا واقعا، ثمّة قاسم مشترك أساسي، هو اللاعب التركي الآن في تلك المنطقة تحديدا. فالمعطيات والوقائع الأخيرة، تؤكد ما ذهبنا إليه من احتمالاتِ تدخل عسكري تركي في إدلب، والذي سيفرض تحولات جذرية في طبيعة القوى المسيطرة. فمعركة إدلب ليست خيارا تركيا ثابتا، لكنها واردة، وواردة على إيقاع التفاهمات بين أنقرة موسكو وربما طهران.