[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
من كلمات جلالة السلطان المضيئة في هذا المجال والتي تفرض علينا المسؤولية الوطنية جميعا أن نجعل من محاورها شعاعا نستدل به في مسيرنا إلى المستقبل وفي سلوكنا وأقوالنا وتعاملنا مع مختلف القضايا والمواقف الوطنية هي: (إن الأمن والاستقرار نعمة جلى من نعم الله تبارك وتعالى على الدول والشعوب. ففي ظلهما يمكن للأمة أن تتفرغ للبناء والتطوير في مختلف مجالات الحياة، وأن توجه كل طاقاتها المعنوية والمادية نحوتوفير أسباب الرفاه والرخاء ‏والتقدم للمجتمع.

تنشط الذكريات أكثر فأكثر، ونسترجع مشاهد الماضي وصوره تباعا، كلما قرب موعد الاحتفاء بالعيد الوطني السعيد، في الثامن عشر من نوفمبر من كل عام، حيث تتوشح الشوارع والمؤسسات الحكومية والخاصة ومنازل المواطنين بالإنارة وصور السلطان والأعلام والشعارات الوطنية، فرحا وابتهاجا بالمناسبة الجليلة، وتجديدا للولاء والعرفان، ومشاعر تفيض بمعاني الحب والوفاء لقائد عمان وباني نهضتها، ورسالة وطنية صادقة تجسد المعاني الحقيقية للحمة الوطنية ووعي العمانيين والتفافهم حول سلطانهم وأمنياتهم لجلالته بالصحة والعمر المديد. في هذه الأيام العظيمة من تاريخ عمان وأمجادها ـ نسترجع مشاهد الماضي وصوره ـ ففيها تتجلى مكتسبات النهضة العمانية الحديثة وإنجازاتها الكبيرة، وما أحدثته من فوارق هائلة على حياة العمانيين، الذين ذاقوا مرارة الغربة وفراق الوطن والشوق الحارق إلى الأبناء والزوجات ودفء الأسرة والأحبة، وعملوا في شتى المهن الوضيعة منها أو المحترمة ـ وكل المهن والحرف جهاد وشرف من أجل العيش الكريم وتستحق الاحترام والتقديس ـ ليكسبوا منها مالا قليلا لا يكاد يكفي الضروريات من معيشة أفراد الأسرة، ولا تزال الكثير من الرسائل والمخاطبات المتبادلة بين أفراد البيت الواحد المحفوظة والموثقة التي يبعثها الآباء والأزواج والأبناء تجسد مرحلة من مراحل التشتت وشظف العيش ومكابدة الظروف القاسية، وتعبر عن مشاعر جارفة للشوق والتعلق بالوطن والأحبة وتصف المعاناة ومفردات البيئة التي عاشها المغترب، فتجري الذكريات على الورق ألما وحزنا وشغفا وأسئلة متدفقة عن كل ما يرتبط بالمكان والأشخاص، وأمنيات بالعودة القريبة، ودعاء خالصا لله أن ينبثق نور عمان، وأن يشرق عهد جديد على أرضها الطيبة. أستجيب الدعاء ولطف الله بعمان وشعبها، وكانت من أولويات العهد الجديد ضمان عودة العمانيين إلى وطنهم وإنقاذهم من مرارة العيش وذل الغربة ومشقة العمل خارج بلادهم، بعيدا عن أسرهم وعن حياة الاستقرار، وإعدادهم للمساهمة في بناء عمان .. فأخذ هذا الملف محورا أساسيا في كلمات جلالته الأولى باعتباره واحدا من أهم غايات النهضة ودوافعها: (فنأمل أن تتمكنوا سريعا من العودة لوطنكم بحرية، وأن تجتمعوا بأحبابكم في سلام وفي ولاء لبلدكم العزيز. كما نعلم بأن خطة تطوير الحكومة وتنظيمها ستستوعب مواردنا البشرية الضئيلة من رجال البلاد المؤهلين، لذا سندعوكم قريبا للعودة بطريقة منظمة لخدمة وطنكم). واستجاب العمانيون أفرادا وجماعات إلى نداء جلالته بعد طول انتظار لهذه اللحظة الزمنية الاستثنائية التي ستظل إشعاعا يضيء سجل التاريخ العماني ويعبر عن نهضته الحديثة التي جمعت شتات العمانيين، وإعادتهم إلى وطنهم وهم في شوق عظيم إليه وإلى أبنائهم وأحبائهم، وشاركوا مع إخوانهم بجد وإخلاص وتفانٍ في إعداد الدراسات والخطط وتحديد الأهداف والأولويات ووضع اللبنات الأولى للتنمية والتحديث والبناء، وفي مواقع العمل أطباء ومعلمين ومهندسين وصحفيين وإداريين وعمالا ... وكانت هذه واحدة من أهم وأعظم مكتسبات النهضة العمانية التي حفظت للعماني مكانته وكرامته ووفرت له الحياة الكريمة المزدهرة في وطنه وبين أفراد أسرته تلفهم السكينة والطمأنينة والألفة والمحبة والاستقرار.
في مشهد آخر لا يقل أهمية عن سابقه، ما زلت أذكر كلمات محفوظة في ذاكرتي للشيخ الجليل القاضي المرحوم حمد بن عبدالله البوسعيدي عندما كانا متجاورين هو ووالدي ونصلي الجماعات معا في الخوير، (نعمة عظيمة هذا الأمن الذي نعيشه، لا يدركها إلا من عاش المرحلتين ما قبل قابوس وأيامه المجيدة، فقد كنا نخاف على أرواحنا وحياتنا عندما نغادر منازلنا ليلا، لذلك لا بد من أن نتسلح بالخنجر أو السيف أو البندقية أو جميعها في أغلب الأوقات لحماية أنفسنا من أي هجوم غادر من لص جسور أو عدو أو حاقد غيور، أما اليوم في عهد قابوس فنسير في الطرقات والأزقة ليلا أو نهارا إلى المسجد أو لقضاء حوائجنا في السوق وزيارة من نشاء، فلا نحتاج حتى إلى عصى، لشعورنا العميق بالأمن والطمأنينة، فحتى الكلاب باتت مسالمة، نعمة حافظوا عليها وتمسكوا بها بالنواجذ، فليس من سمع كمن رأى ونحن عشنا المرحلتين ورأينا وعاصرنا وخبرنا الأيام وخبرتنا). لقد قامت أساسات النهضة العمانية الحديثة التي قاد مسيرتها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على قيم التعايش والتلاحم والتسامح والسلام، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وتعميق الوحدة الوطنية والمساواة بين أبناء الوطن الواحد والدفاع عن حياضه وترابه، ونبذ كل أشكال التعصب والتمييز والمذهبية وتجريمها... وهي قيم أكد عليها سلطان البلاد في جميع خطاباته السامية، وفي النظام الأساسي والقوانين والتشريعات المقرة والمنفذة، وقد نجحت عمان نجاحا لا مثيل له في تعميق هذه القيم قولا وفعلا، ممارسة وسلوكا وعملا، على المستويين الرسمي والشعبي، في الداخل والخارج، وهو ما أكسب عمان وشعبها احترام وتقدير العالم، فتحولت خلال العقود الماضية من عصر النهضة إلى نموذج فريد في عالم ينوء بالصراعات والحروب العبثية والشعارات والدعوات التعصبية والمذهبية المقيتة والتدخل في شؤون الدول، وأشكال من الإرهاب الممارس على الإنسان وحضارته. فكانت هذه القيمة الاستثنائية في عالمنا المحيط واحدة من أغلى وأعز ما تميزت به سياسة سلطان البلاد. من كلمات جلالة السلطان المضيئة في هذا المجال والتي تفرض علينا المسؤولية الوطنية جميعا أن نجعل من محاورها شعاعا نستدل به في مسيرنا إلى المستقبل وفي سلوكنا وأقوالنا وتعاملنا مع مختلف القضايا والمواقف الوطنية هي: (إن الأمن والاستقرار نعمة جلى من نعم الله تبارك وتعالى على الدول والشعوب. ففي ظلهما يمكن للأمة أن تتفرغ للبناء والتطوير في مختلف مجالات الحياة، وأن توجه كل طاقاتها المعنوية والمادية نحوتوفير أسباب الرفاه والرخاء ‏والتقدم للمجتمع. كما أن مواهب الفرد وقدراته الإبداعية الفكرية والعلمية والأدبية والفنية لا تنطلق ولا تنموولا تزدهر إلا في ظل شعوره بالأمن وباستقرار حياته وحياة أسرته وذويه ومواطنيه. لذلك كان من أهم واجبات الدولة قديما وحديثا كفالة الأمن وضمان الاستقرار حتى يتفرغ المجتمع بكل فئاته، وفي طمأنينة وهدوء بال، للعمل والإنتاج، والإنشاء والتعمير. أما إذا اضطرب حبل الأمن، واهتزت أركان الاستقرار، فإن نتيجة ذلك سوف تكون الفوضى والخراب والدمار للأمة وللفرد على حد سواء. وهذا أمر مشاهد وواقع ملموس لا يتطلب كثيرا من الشرح والتوضيح. ومن ثم فإن على كل مواطن أن يكون حارسا أمينا على مكتسبات الوطن ومنجزاته التي لم تتحقق كما نعلم جميعا إلا بدماء الشهداء، وجهد العاملين الأوفياء، وألا يسمح للأفكار الدخيلة التي تتستر تحت شعارات براقة عديدة، أن تهدد أمن بلده واستقراره، وأن يحذر ويحذر من هذه الأفكار التي تهدف إلى زعزعة كيان الأمة، وأن يتمسك بمبادئ دينه الحنيف وشريعته السمحة التي تحثه على الالتزام بروح التسامح والألفة والمحبة. ‏إن التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبدا أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق).
في مشهد ثالث يجسد إنجازات عاهل البلاد ـ حفظه الله ورعاه ـ الشاملة، فما زلت أتذكر مشاعر القلق والألم وهما يعتصران نفوس العلماء والقضاة والأدباء والكثير من أفراد المجتمع على الإرث الثقافي والحضاري العماني الهائل، المتشكل من كم واسع من المخطوطات والموسوعات والكتب والدراسات والرسائل والوثائق... في مختلف المجالات والتخصصات العلمية والأدبية التي تركها الأجداد والآباء على امتداد المراحل التاريخية قديمها وحديثها، والتي تتعرض للإهمال والأرضة والتلف وسوء الحفظ والتقدير لقيمتها... وكان الخوف لا يفارق الأفئدة من أن تفقد عمان إرثها وتاريخها وعصارة فكر علمائها وأدبائها ومفكريها الكثر الذين يشكل إنتاجهم ثقافتها الحقيقية ويقدم لأمجادها وحضارتها، ويعرض لجهود وإنجازات العمانيين الأوائل. وقد تراجع الخوف وتبدد الألم وأخذ مكانهما الشعور بالراحة والطمأنينة والثقة، وتنفس الكثيرون الصعداء عندما أنشأ قائد عمان مؤسسات متخصصة للبحث والتنقيب والتوثيق والتحقيق مستعينة بالعشرات من العلماء والباحثين والمختصين لإعادة طباعة مئات الموسوعات والكتب ودواوين الشعر وغيرها وجمع الرسائل والخطابات القديمة وحصرها وتوثيقها وحفظها. فكان هذا واحدا من أهم إنجازات النهضة المباركة التي قدمت لمكتبات العالم وباحثيه ومفكريه وعلمائه كما هائلا من الإنتاج العلمي والثقافي والأدبي في مختلف المجالات والتخصصات، هذا فضلا عن الوثائق والرسائل المكتوبة التي تشكل مصدرا أساسيا ومعينا واسعا ودليلا مؤكدا على إنجازات العمانيين ودورهم الحضاري وتاريخهم المجيد.
وعلى مستوى التنمية، فقد تواصلت مسيرة البناء وتعززت البنية التحتية نموا وتطورا على مختلف المجالات، ولم تقف وعورة التضاريس وشظفها والجبال الشاهقة والأودية الساحقة وتناثر المدن والقرى والتجمعات السكانية على أراضٍ شاسعة تجمع بين جبل وسهل معيقا لبلوغ شبكات الطرق والماء والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي والخدمات الصحية والتعليم... إلى كل شبر من ولايات ومحافظات السلطنة، ومع كل زيارة أخرى مكررة نقوم بها إلى موقع من مواقع البلاد في محافظاتها وولاياتها وقراها نفاجأ بأن تقدما جديدا ومكسبا انضم إلى ما قبله وإنجازا آخر أضيف إلى سابقه. فهنا كانت الطريق في بدايات النهضة غير سالكة أو وعرة، ثم أصبحت ممهدة، ووجدناها في آخر زيارة إليها معبدة، أما اليوم فقد تحولت إلى شارع مزدوج بأكثر من مسار ويربط أكثر من ولاية ومحافظة. وهكذا هو الحال بالنسبة للخدمات الأخرى. وتشهد مؤسسات الدولة بمختلف تخصصاتها ومجالاتها (التشريعية والرقابية والتنفيذية والقضائية) تطورا متناميا في تخصصاتها وصلاحياتها وإنجازاتها وممارساتها. أما السياسة الخارجية التي ترسخت مبادئها وتعززت قيمها وشهدت نجاحات ومكاسب فريدة، فباتت مدرسة خاصة يشهد بحكمتها واتزانها ورؤيتها الحكيمة الجميع.
كل هذه المكتسبات وغيرها الكثير مما لا يحيط به مقال، هي أمانة ومسؤولية في يد العمانيين تتطلب تبعات المواطنة الصادقة، الحفاظ عليها والدفاع عنها من عبث العابثين وفساد المفسدين. ويتحمل كل مسئول العبء الأكبر على حماية إنجازات النهضة العمانية بالإخلاص في العمل، والأمانة في إدارة مقدرات وثروات وأموال الوطن والحفاظ عليها من أي شبه أوفساد، والالتزام بالأنظمة والقوانين والضمير الإنساني وقيم العدل والمساواة في الإشراف على مهام عمله، ومتابعة صلاحياته، والحرص على القيام بالزيارات الميدانية المتواصلة للاطمئنان على سير العمل في الإدارات والمشاريع التابعة لمسؤولياته والاستماع إلى ملاحظات وآراء وشكاوى المواطنين ... وعلى الحكومة ومؤسسات الدولة اليوم وبعد مرور ٤٧ عاما على انطلاقة النهضة العمانية الحديثة، وتجاوبا مع الظروف والتحديات والتطورات المتسارعة وما يشهده العالم من حولنا من إرهاصات سياسية واقتصادية وتقدم علمي هائل أن تتفهم وتتلمس احتياجات المجتمع وتطلعات الشباب والتعرف على طموحاته والاستماع بعمق إلى آرائه وملاحظاته ومشكلاته، وأن تسرع إلى إشراكه في اتخاذ القرارات الوطنية والإسهام في مواصلة البناء والعمل في مختلف المجالات والحقول. والسعي الحثيث إلى تعميق الثقة بين الحكومة ومؤسسات الدولة من جانب والمجتمع من جانب آخر عبر تعزيز قيم الشفافية وحرية التعبير وتقدير الرأي الآخر وصياغة رسالة إعلامية توعوية واضحة لتحقيق الأهداف الوطنية وفي مقدمتها ترسيخ قيم المواطنة والتعايش والتسامح والوحدة الوطنية. وأن تولي مؤسساتنا جل اهتمامها، وأن تركز في خططها خلال المرحلة القادمة على ملفات الباحثين عن عمل ـ إصلاح التعليم ـ تنظيم سوق العمل ـ خلق اقتصاد وطني قوي متعدد الموارد متحرر من الاعتماد على أسعار النفط، لكي تتواصل مسيرة النهضة العمانية بكل ثقة وثبات وتصميم على أيدي المخلصين الأبرار من أهل عمان تحت القيادة الحكيمة لجلالة السلطان المعظم، سائلين الله العلي القدير أن يحيطه بعنايته ورعايته، وأن يمده بالصحة والقوة والعمر المديد.

سعود بن علي الحارثي
[email protected]