تشكل الطبيعة المناخية أحد أهم التحديات التي تواجه متخذي القرار عند رسم الخريطة الزراعية وما يتبعها من أنشطة رعوية وتنموية في البلاد، وأضحى للبحث العلمي دور كبير أساسي لاختيار أفضل السلالات الزراعية والحيوانية، حتى يكون لهذا النشاط الاقتصادي الأساسي المرتبط بالأمن الغذائي في الأساس مردود اقتصادي يشجع ملاك الأراضي والقطعان على مواصلة نشاطهم، ويدفع العديد من الشباب الباحث عن عمل لإقامة مثل هذه المشاريع. فالجدوى الاقتصادية ستظل هي الأساس الذي يقوم عليه القطاع الزراعي والرعوي الناجح مهما بذلت الدولة من جهود في أي اتجاه آخر؛ فبدون الجهود البحثية التي تشكل عماد دراسة الجدوى الاقتصادية سيصبح إقناع المزارعين والمربين ضربًا من العبث، فالجهود البحثية التي توفر سلالات ذات جدوى اقتصادية مرتفعة، هي إحدى أدوات الإقناع لهذه الفئة لكي تواصل عملها المهم والذي يتعلق بالأمن الغذائي، والتنويع الاقتصادي الذي تسعى إليه البلاد.
ففي مجال الزراعة لا يقتصر بالطبع دور الدولة على الدور البحثي فقط، لكن حتى يتسنى زراعة محصول ما فإن هناك جهدًا حكوميًّا كبيرًا لتطوير المحاصيل الزراعية وزيادة إنتاجيتها، وكذلك لمكافحة الآفات التي تهاجمها وتؤثر على إنتاجيتها، فالجهود الحكومية الممثلة في وزارة الزراعة والثروة السمكية متواصلة لتطوير مختلف المحاصيل الزراعية من خلال تقييم الأصناف المحلية وإدخال أصناف جديدة ذات جودة وإنتاجية عالية، وكذلك التي تتميز بمقاومتها للآفات الزراعية المختلفة، كما يتم إجراء الدراسات المختلفة على تحسين المعاملات الفلاحية والري والتسميد، وعلى الصعيد السلالات الحيوانية توجد بالسلطنة العديد من سلالات الماعز تنتشر تحت ظروف مناخية وبيئية مختلفة، وتقوم وزارة الزراعة والثروة السمكية بإجراء البحوث لتحسين إنتاجية السلالات المحلية من الماعز والضأن وذلك عن طريق استخدام الانتخاب الوراثي.
ويمثل محصول الفافاي ـ على سبيل المثال ـ أحد المحاصيل الاستوائية التي تجود زراعتها في السلطنة، ويعد من المحاصيل الاقتصادية الرئيسية التي يعتمد عليها المزارعون في محافظة ظفار لزيادة عائدهم المالي، حيث يأتي الفافاي في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية الاقتصادية والسياحية بعد النارجيل والموز، ويعد نموذجًا للجهود التي تبذل لتحقيق التوازن بين الأمن الغذائي والمحاصيل ذات الجدوى الاقتصادية، فإنتاجية محصول الفافاي تبلغ حوالي 1,6 ألف طن إلى 2,9 ألف طن سنويًّا يستهلك معظمه محليًّا، ويصل الفائض منه لحوالي 40% يتم تصديره إلى دول الخليج المجاورة للسلطنة، وتقوم وزارة الزراعة بين الحين والآخر باستيراد بعض الأصناف المعروفة عالميًّا والتي تتميز بإنتاجيتها العالية وجودة ثمارها ويتم دراستها وتقييمها تحت الظروف المحلية.
وبجانب الأهمية الاقتصادية، فالفافاي له فوائد طبية متعددة. كما أن جهود تحسين هذا المنتج، تتوافق مع سعي الحكومة إلى إقامة وحدة لإكثار الماعز في الجبل الأخضر، حيث تعد سلالة ماعز الجبل الأخضر من أهم سلالات الماعز الموجودة بالسلطنة من حيث القيمة الاقتصادية ونظرًا للإقبال الشديد على هذه السلالة سواء من المستهلكين المحليين أو من بعض الدول المجاورة فإن ذلك أدى إلى تناقص أعدادها والإخلال بتركيب قطعان هذه السلالة.
ما من شك أن هذه الجهود والنجاح فيها لا يعني فقط فتح باب للرزق للمواطنين فحسب، وإنما يعني تأمين مصدر للأمن الغذائي.