[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” ثمان وأربعون ساعة فقط هي المدة التي خصّصت لمناقشة خمسة ملفات ثقيلة على طاولة الحوار الفلسطيني في القاهرة: تفعيل منظمة التحرير, وإجراء الانتخابات, وتشكيل حكومة وحدة وطنية, ومعالجة الملف الأمني, إضافة إلى ملف المصالحة المجتمعية.لم تتمخّض تلك الساعات سوى عن البيان الشكلي الذي أسهمت "المخابرات العامة" المصرية في صياغته, ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جاءت نتائج حوارات الفصائل الفلسطينية في القاهرة,مخيبة للآمال ولطموح شعبنا وأمتنا وأصدقاء قضيتنا على الصعيد العالمي.للأسف لم تسفر النتائج إلا عن بيان عام غامض, ما كان يستوجب كل هذا السفر والساعات الطويلة من النقاش بين ثلاثة عشر فصيلاً فلسطينياً حوله. فبعد جولة جديدة من محادثات المصالحة لم ينتج عنها سوى تساؤلات حول تسلم السلطة الفلسطينية مهامها بشكل كامل في قطاع غزة , ولم يصدر سوى دعوة مبهمة إلى تنظيم انتخابات عامة قبل نهاية 2018 وتخويل الرئيس الفلسطيني محمود عباس تحديد موعدها بعد التشاور مع كافة القوى. ومع اقتراب موعد الأول من ديسمبر المقبل لاستعادة السلطة الفلسطينية السيطرة كاملة في القطاع, نشكك في امكانية حدوث تغيير حقيقي على الارض لاعتبارات كثيرة أبرزها: أن الاجراءات العقابية التي فرضت على القطاع ما زالت سارية المفعول. هذا في ظل عدم الاتفاق على دمج الأجهزة الأمنية للطرفين, وكيفية السيطرة على السلاح في غزة, والفهم الغامض إلى حد ما عن شكل "تمكين الحكومة" من السيطرة على أوضاع القطاع.
بالفعل , إن بيان الفصائل وكما أشرنا, اتسم بالغموض والعمومية, وأظهر تباينا كبيرا في فهم شعار "تمكين الحكومة",فالإخوة في فتح يريدون تمكينا شاملا كاملا, في ظل عدم حسم او حل اَي من الملفات حتى أبسطها, مثل إجراءات السلطة في غزة, ما يؤكد التباين الكبير والاختلافات حول قضايا أخرى كثيرة. فكيف تتمكن الحكومة من الإشراف على السلاح, المتوجب إبقاؤه في أيدي المقاومين, في ظل فهم مختلف للسلطة لهذا السلاح؟, فقد سبق وأن جمعته من أيدي الأجهزة العسكرية للتنظيمات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة, باعتبارها أجهزة غير مشروعة. هذا بالرغم من أن 22 عاما من المفاوضات لم تنتج سوى المزيد من التعنت الإسرائيلي في رفض الحقوق الفلسطينية, وعرقلة حل الدولتين والتأكيد الإسرائيلي اليومي, بأن ما بين النهر والبحر لن تقام دولة ثانية غير إسرائيل.

من جانب ثان, فإن ضغوطات أميركية – صهيونية – غربية كبيرة, تمارس على السلطة الفلسطينية لعدم ضم أيّ من أعضاء حماس للحكومة الفلسطينية, تحت طائلة التهديد بعدم الاعتراف بها, وبقطع المساعدات عنها, وهو ما لا يريده الرئيس عباس ولا حكومته. وفي شريط فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي, قال صلاح البردويل عضو المكتب السياسي لحركة حماس: "إن السلطة الفلسطينية لم تقدم شيئا, حتى لا تغضب الولايات المتحدة وإسرائيل وحتى لا تستفز اطرافا اخرى".وأضاف "خرجنا باتفاق ولكن بلا معنى وبلا آليات تطبيق".
ثمان وأربعون ساعة فقط هي المدة التي خصّصت لمناقشة خمسة ملفات ثقيلة على طاولة الحوار الفلسطيني في القاهرة: تفعيل منظمة التحرير, وإجراء الانتخابات, وتشكيل حكومة وحدة وطنية, ومعالجة الملف الأمني, إضافة إلى ملف المصالحة المجتمعية.لم تتمخّض تلك الساعات سوى عن البيان الشكلي الذي أسهمت "المخابرات العامة" المصرية في صياغته, بعد إصرار منها, كما تفيد بذلك مصادر فلسطينية, قالت إن السبب هو "تجنّب إعلان الفشل" الذي لاح منذ الساعات الأولى لبدء الجلسات, بعدما نجحت حركة فتح في تغيير أجندة اللقاءات المتفق عليها من أكثر من شهر, وطالبت فقط ببحث ملف الحكومة ومسألة تمكينها في القطاع. ومع إصرار الفصائل الفلسطينية على بحث الملفات الخمسة, ثم مع تدخُّل الوسيط المصري, بُحث في اليوم الثاني شيء من تلك الملفات, وفق المصادر نفسها, نجحت فتح في القفز على ملفي حكومة الوحدة والانتخابات, كما تهرّبت من كتابة نص أو تحديد موعد لرفع العقوبات عن غزة,ورهنتها بتمكين الحكومة, الأمر الذي أغضب عدداً من الفصائل التي أصدرت تعليقات على ذلك, مطالبة بإنهاء العقوبات التي تطال الناس مباشرة.
تأتي هذه النتائج الهزيلة للحوار, في ظل تحديات كبيرة يواجهها شعبنا وفصائله, أبرزها فرض ما يسمى بـ "صفقة القرن" أو "التسوية الإقليمية"على الفلسطينين, بتصفية قضيتهم نهائياً, والتي ستعني تخليا فلسطينيا عن الحقوق الوطنية , مقابل تنمية مناطقهم اقتصادياً في حكم ذاتي منزوع السيادة والصلاحيات, مقابل إشراف وتواجد أمني وعسكري صهيوني في كل المناطق الفلسطينية, بما فيها منطقة غور الأردن. الأخطر في المرحلة الرهنة , هي الضغوطات البعض عربية الممارسة على السلطة الفلسطينية للقبول بما هو مطروح. الحصيلة أن أعلام دولة الكيان الصهيوني سترتفع في عواصم عربية جديدة, إضافة إلى التطبيع المجاني مع إسرائيل, في نسف مباشر حتى لما يسمى بـ "مبادرة السلام العربية" التي وإن قزمت الحقوق الفلسطينية, لكنها أبقت شيئاً ولو قليلا من حجم الاندفاع العربي العلني في قبول دولة الكيان الصهيوني كدولة مقررة للسياسات في المنطقة! ما نقوله, شعبنا وأمتنا قادران على إسقاط المشروع التصفوي الجديد مثلما أسقطا مشاريع تصفوية سابقة.