[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
وهنا وهناك من أرض العرب نرى أيادي خبيثة تؤجج نار الفتنة بكل أصنافها من فتنة طائفية بغيضة وفتنة دينية مدمرة وفتنة قبلية مخربة وفتنة حزبية مفرقة، وفي تونس فتنة طبقية وأخرى جهوية بين مناطق تونسية وحدتها كل الوشائج والروابط منذ الفتح الإسلامي، وجاء من ينفخ في رمادها بحثا عن الجمرة الخبيثة في ظروف الانتخابات الديمقراطية التي تكاد تكمل مساراتها.

أبدأ مقالي بأداء واجب التهاني لشعب السلطنة بمناسبة عيدهم الوطني وهو ينعم بالأمن والتقدم داعيا له بالمزيد من الخير والرفاه، خاصة وهو يقع في قلب عالم عربي غير مستقر، وتهدده شتى التصدعات، حيث يمتد سرطان الأزمات العربية إلى لبنان وفلسطين واليمن، ويهدد البيت العربي بالانفصام وتخرج تدريجيا مصائر العرب من أيدي العرب لتتحول إلى أيدي أعدائهم، ويتسرب داء الشقاق بين السني والشيعي وهم مسلمون، ويتقاسم العمالقة الكبار أشلاء الدول العربية مثلما تقاسم (سايكس وبيكو) منذ قرن تركة نفس الرجل المحتضر. يذكرنا وضع المسلمين اليوم بما جاء على لسان الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع فأشار إلى القصعة والمتداعين إليها حين تصبح الأمة على كثرتها غثاء كغثاء السيل. إن من يتابع هذه الأيام أخبار العرب لا بد أن تصيبه لعنة اليأس من حكمة هذه الأمة لم تبلغ بعد درجة القنوط فيدعو الله إن كان من المؤمنين بأن يهب لها من لدنه رشدا وهي ضائعة جريحة بين خليج مستهدف وعراق ينزف وسوريا تدمى وليبيا تنتحر ويمن مهدد وفلسطين مقسمة، وليس لها من نصير من العسف الصهيوني سوى شعوب أوروبية تخلصت من عقدة الذنب تجاه اليهود، وأصبحت دولة إسرائيل عبئا عليها بممارسات وحشية خارجة عن القانون والشرائع وتهدد أمن العالم والغرب بالخصوص، أضف إلى الصورة القاتمة مصر التي لم يستقر لها قرار، بل إن العربي كان يرى في دول مجلس التعاون الخليجي بصيصا من أمل الوحدة، ويتمنى أن يشمل سلامها وأمانها كل محيطها المشرقي متمنيا أن لا ينهار المجلس. وهنا وهناك من أرض العرب نرى أيادي خبيثة تؤجج نار الفتنة بكل أصنافها من فتنة طائفية بغيضة وفتنة دينية مدمرة وفتنة قبلية مخربة وفتنة حزبية مفرقة، وفي تونس فتنة طبقية وأخرى جهوية بين مناطق تونسية وحدتها كل الوشائج والروابط منذ الفتح الإسلامي، وجاء من ينفخ في رمادها بحثا عن الجمرة الخبيثة في ظروف الانتخابات الديمقراطية التي تكاد تكمل مساراتها. وعلى هذه اللوحة الحزينة وفي هذا المشهد المشحون بالمخاطر تزدهر صناعة عربية خالصة ولا تعتقدوا أنها صناعة الطائرات والسيارات والحواسيب والأدوية والتجهيزات الإلكترونية، فهذه تركناها للأوروبيين والأميركان واليابانيين والكوريين والصينيين، وللإنصاف نضيف لهم الأتراك بعد استعادة طيب رجب أردوغان للهوية التركية، وهذه الصناعات لم يحن لدى العرب أوانها بعد لأن ثقافة الإبداع تتطلب مهارات الحرية وحفظ كرامة بني آدم وتكريس قيم العلم عوض أدوات الظلم. ولتأكيد مقولة العلامة التونسي عبدالرحمن بن خلدون بأن العدل أساس الملك، وأن الظلم مؤذن بزوال العمران فإني أضرب مثلا واحدا ليقتنعوا مثلما اقتنعت أنا منذ ثلث قرن بأن تقدم شعب من الشعوب لن يتحقق إلا متى تمتع ذلك الشعب بحقوقه المدنية وحرياته السياسية، ومتى حصن الدستور عرضه وأرضه وسلامة بدنه، ومكنه من المساهمة في اختيار أولي أمره في كنف دولة عادلة قوية يقوم عليها رجال أمناء مخلصون، ومتى اعتنق مبدأ الحداثة الأصيلة لا الحداثة الدخيلة؛ أي بكل بساطة تحول من كائن مستعبد إلى إنسان حر. المثل الذي يحضرني هو المقارنة بين ماليزيا وكوريا الجنوبية من جهة وبين تونس العربية من جهة ثانية: ففي السبعينيات صنف برنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD)) هذه الدول الثلاثة على نفس مستوى النمو من حيث معدل الدخل الفردي السنوي ومعدل الإنتاج الوطني الخام، ومن حيث الطاقات البشرية والجامعات والموارد الطبيعية ومؤشرات التنمية الاقتصادية وآفاق التنمية المستقبلية... نعم كنا نحن في تونس على نفس خط الانطلاق جنبا إلى جنب مع ماليزيا وكوريا الجنوبية تماما كالرياضيين المتنافسين في سباق العدو الأولمبي على نفس خط انطلاق السباق بذات الحظوظ وأمامنا نفس المسافة لتحقيق الفوز... والنتيجة في ظرف جيل واحد! تعرفونها جميعا فنحن في سنة 2014 كالتالي: ماليزيا 11 مليونا من البشر نفس ديمغرافيا تونس، لكن مصنفة في المرتبة الـ30 في العالم من حيث النمو بنسبة 3% فقراء ونسبة 3% بطالة ومعدل نمو سنوي 7%، وبالمقابل أصبح وضع تونس كالتالي: بلادي مصنفة في المرتبة الـ87 في العالم سنة 2010، وتقهقرت حسب إحصائيات أممية إلى المرتبة الـ93 سنة 2017 بنسبة المواطنين تحت خط الفقر حسب المعايير الدولية تقدر بـ23% سنة 2017 عوض 15% سنة 2009، ومعدل بطالة ارتفع من 16% سنة 2009 إلى 25% سنة 2017. ومعدل نمو لم يتجاوز 1%. نفس المعدلات تقريبا نجدها بين تونس وكوريا الجنوبية إلى درجة أن الميزانية السنوية التونسية تعادل ثلث ميزانية شركة سامسونج وحدها! وأضرب هذه الأمثال للتحفيز لا للتيئيس ففي وطني كفاءات ومقدرات وعبقريات، لكنها تظل مكبلة بالقوانين منتهية الصلاحية والخيارات الخطإ.