[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” .. ما أجمل البساطة العفوية الناشئة عن وعي بحكمة الحياة وأهدافها وقراءة متفحصة لحقيقة الإنسان والمعنى من خلقه وفهم دقيق لمسيرته التاريخية وما آل إليه الأولون وما سينتهي إليه الآخرون، وما أسمى البساطة في صورها الإنسانية المشرقة التي لا تعترف بالحواجز المصطنعة والفروقات الشكلية والمراتب الضيقة والتقسيمات البغيضة ...”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد نصف الإنسان الغني والمسئول الذي يمتلك سلطة القرار والنفوذ وصاحب المكانة الاجتماعية المرموقة في المجتمع بأنه إنسان بسيط ، وهو وصف يحمل المديح والثناء والإطراء، ويطلق عندما يلغي الموصوف الحواجز ويشرع الأبواب أمام الخلق ولا يعترف بالتصنيفات والرتب المصطنعة والشكليات الزائفة ولا يضع كثير اعتبار للوجاهة والشهرة والمظاهر الكاذبة في أسلوب تعامله مع الآخرين، وهو أسلوب يستمد معينه من ثقافة مفعمة بالبساطة والسلاسة واليسر لتصل إلى المسكن والمأكل والمشرب والتصرف العام وغيرها من المسائل المشابهة، والإنسان البسيط تسهل مناقشته وهو الأقدر على التفاهم والحوار وعلى العفو عندما يرتكب الآخرون خطأ في حقه، وعلى ملامسة المشاعر الإنسانية وتقديم المساعدة والعون ... ذاك لأنه يتعامل مع الحياة بشفافية ووضوح في الرؤية دون حواجز ولا تعقيدات ولا صيغ تقييدية، وزيارته والوصول إليه غاية في اليسر والسهولة، ف (لذة الوجود هي التحرر من القيود)، وفي البساطة اللذة والجمال والراحة لأنها تحرر الإنسان من تعقيدات شتى وصيغ شكلية لا حصر لها نشهد صورها ونلمس تقاطيعها في الوجوه وفي المعاملات اليومية مرسومة بأكثر من معنى، فالبساطة في مفهومها المتعارف عليه بين الناس أنها عكس التكلف والتعقيد، البساطة في أشكال التعامل مع الحياة بعناصرها وجوانبها ومخلوقاتها المتعددة ومع قضاياها ومخرجاتها من حيث إنها منظور قائم على الفهم والمعرفة والإدراك لا على السذاجة والغباء والمزايدة والتبسيط المخل، وتستمد الكلمة جمالها ورونقها من عفويتها وطبيعتها ومن خلوها من التعقيدات التي تلف الإنسان بالقيود والشراك المتعددة الصيغ، بمجرد ما أن يزج نفسه في سلسلة من الاهتمامات الشكلية التي تبدأ صغيرة بفعل التأثر قبل أن تصبح مرضا سلوكيا يصيب الإنسان تدريجيا دون أن يشعر بغرابة الأطوار التي يتنقل فيما بينها ولا بالتغيير الذي يخرجه عن طبيعته وبساطته المحببة ويصبغه بصبغة لا تنسجم مع حقيقته القائمة على الضعف والوهن في منشأه وفي منتهاه وفي سقمه وعلله ( الله الذي خلقكم من ضعف) الروم الآية 30 (... وخلق الإنسان ضعيفا) النساء الآية 4, فيسدل عليه سلوكه الدخيل المستمد طاقته من المظاهر الخادعة والصيغ المصطنعة والشكليات المستجلبة أثوابا ثقيلة يعتريها الكثير من التشويه في اللون والتفصيل والنوع والشكل، وتتجسد البساطة بمعانيها الصافية في حياة الريف والقرية والصحراء حيث يظهر السكان هناك تعاملا لا تكلف فيه ولا تصنع في الحديث ولا خلاف بين الباطن والظاهر في السلوك أي أن الإنسان قريب من طبيعته، يرى الأشياء كما هي عليه بدون أردية مخيطة من التصنع والتزيد والشعارات الكاذبة ... فما أجمل البساطة العفوية الناشئة عن وعي بحكمة الحياة وأهدافها وقراءة متفحصة لحقيقة الإنسان والمعنى من خلقه وفهم دقيق لمسيرته التاريخية وما آل إليه الأولون وما سينتهي إليه الآخرون، وما أسمى البساطة في صورها الإنسانية المشرقة التي لا تعترف بالحواجز المصطنعة والفروقات الشكلية والمراتب الضيقة والتقسيمات البغيضة ... البساطة التي تبقي على الرؤية واضحة شفافة تبعث في النفوس الراحة والطمأنينة والثقة في الحياة وفي الناس ... الألفة، التعاون، المحبة، اللمسة الإنسانية بمعانيها الجميلة، المعاملة الحسنة، السماحة، المشاركة المجتمعية ... صور رائعة لمعاني البساطة، ما أجمل البساطة التي تقرب بين البشر وتزيدهم تلاحما وتعاونا وتلمسا لفهم احتياجاتهم التي تبني علاقتهم ببعضهم البعض، البساطة بمعانيها المحترمة والمقدرة التي لا تعرف التزلف والتزيد والفوارق المصطنعة، ما أجمل البساطة عندما تصبح صفة للغني وسمة من سمات المسئول وشعارا يرفعه العالم والكاتب والمثقف فعلا لا قولا، ممارسة لا شعارا، البساطة التي تفتح الأبواب وتيسر المتعسر وتفك العقد ...

[email protected]