الجريمة الإرهابية الوحشية النكراء التي استهدفت المصلين وهم في مناجاة وتواصل مع خالقهم في مسجد الروضة بشمال سيناء والتي أدت إلى وفاة أكثر من ثلاثمئة مصلٍّ، تؤكد الحقيقة الثابتة وهي أن مصر لا تزال في عين العاصفة الإرهابية الهوجاء التي تستهدف المنطقة، ولا يختلف شأنها عن شأن سوريا والعراق وليبيا وغيرها؛ فصورة المشهد المصري الذي تطغى عليه مناظر الدم، ويخيم عليه الحزن لا يحتاج كثيرًا من التفصيل للغوص في تبيان الأسباب التي دفعت ببرابرة العصر إلى ارتكاب هذه المجزرة بحق الأبرياء بالنظر إلى ما تمثله مصر من مكانة في الوطن العربي وثقل وازن. فهي على الدوام الشقيقة الكبرى التي قدمت تضحيات مع شقيقتيها سوريا والعراق، وصاحبة اليد المدافعة والحانية على قضايا العرب المصيرية لا سيما القضية الفلسطينية، وكما كانت مصر لا تزال صاحبة النظرة المتبصرة بأن أي خلل يصيب إحدى شقيقاتها لا بد وأن تكون له تداعياته على المنطقة بأسرها، وهو ما لا يخدم الأمن والاستقرار الذي تنشده جميع شعوبنا العربية.
لا أحد بمقدوره وقد رأى بشاعة الجريمة أن ينكر أن مخطط استهداف مصر لا يزال يحتل أولوية في أجندة القوى العابثة باستقرار المنطقة وأمنها وتنميتها واقتصادها وثرواتها، فهناك من يريد أن يأخذ مصر إلى الأتون ذاتها التي أخذ إليها العراق وسوريا وليبيا، والمصلحة في هكذا مخطط تبدو واضحة ولا تحتاج إلى عناء تفكير لاستنتاجها، وبالتالي الأدوات التي نفذت المخطط المراد لتدمير كل من سوريا والعراق وليبيا، وتفجير استقرار دول أخرى هي ذاتها التي أوكل إليها عملية التنفيذ، لكون أن المخطط واحد المعد لهذه الدول العربية الفاعلة، بالنظر إلى تاريخها القومي المشرف، وما قدمته من تضحيات، وكذلك بالنظر إلى نظرة القوى العابثة الساعية إلى استعمار المنطقة وتقسيمها وتفتيتها ومن معها من العملاء والخونة بأن استقرار هذه الدول المستهدفة واستمرار نهجها السياسي سيظل العقبة ذاتها أمام مشاريع التقسيم والتفتيت والهيمنة.
أمام هول المشهد المصري المغطى بدماء الأبرياء الذين لم تُرْعَ حرمة دمائهم ولا إنسانيتهم، ولم تقدر قدسية المكان المستهدف وهو بيت الله، ولا حتى الشعيرة التي يؤدونها، يبقى الحديث عن محاربة الإرهاب إحدى المقطوعات التي يعزف ألحانها العابثون باستقرار المنطقة، ويبقى الحديث أيضًا مجرد تمنيات يمنع تحققها مُشغِّلو برابرة العصر ومرتزقته وتكفيرييه، وبالتالي هي تمنيات لا يبدو في الأفق أنها ستجد طريقها إلى الإرادة الدولية، كيف لا؟ فاللاعبون العابثون ممن يوصفون بالكبار لا يزال الإرهاب في مقارباتهم هو السلاح العابر للقارات، والمنتج المفضل والأسهل والأداة الأمضى لتنفيذ أجنداتهم التي عجزوا عنها بالهيمنة والعدوان والضغط والابتزاز.
وإذا كانت ثمة إرادة في تعويض الفشل في سوريا أو أي مكان آخر من المنطقة، بتحويل دفة الإرهاب إلى مصر والانتقام منها لمواقفها العروبية فإن مصر كانت وستظل عصية عن الانكسار وقادرة على كسر شوكة كل من يتربص بها، ومثلما نجحت سوريا وكذلك العراق في ذلك، فمصر لن تكون أضعف الحلقات التي يسهل كسرها، ومن المؤكد أن القيادة المصرية والشعب المصري قد فهما واستوعبا الرسالة الإرهابية وما يحاك ضد مصر، وما على الأعداء إلا انتظار مصير مشابه لمصيرهم في سوريا والعراق.